للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محقور مهجور مدحور، يهجره العلماء ويقطعه العقلاء، إن مرض لم يعودوه، وإن مات لم يشهدوه. ثم أهل الجماعة مجمعون بعد ذلك على أن الصلاة خمس، وعلى أن الطهارة والغسل من الجنابة فرض، وعلى الصيام والزكاة والحج والجهاد، وعلى تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والربا والزنا وقتل النفس المؤمنة بغير حق، وتحريم شهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وما يطول الكتاب بشرحه، ثم اختلفوا بعد إجماعهم على أصل الدين واتفاقهم على شريعة المسلمين، اختلافاً لم يصر بهم إلى فرقة ولا شتات، ولا معاداة ولا تقاطع وتباغض، فاختلفوا في فروع الأحكام والنوافل التابعة للفرائض، فكان لهم وللمسلمين فيه مندوحة، ونفس وفسحة ورحمة، ولم يعب بعضهم على بعض ذلك، ولا أكفره ولا سبه ولا لعنه، ولقد اختلف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام اختلافاً ظاهراً، علمه بعضهم من بعض، وهم القدوة والأئمة والحجة.

فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: إن الجد يرث ما يرثه الأب ويحجب من يحجبه الأب، فخالفه على ذلك زيد بن ثابت وخالفهما علي بن أبي طالب، وخالفهم ابن مسعود، وخالف ابن عباس جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسائل من الفرائض، وكذلك اختلفوا في أبواب من العدة والطلاق، وفي الرهون والديون والوديعة والعارية، وفي المسائل التي المصيب فيها محمود مأجور، والمجتهد فيها برأيه المعتمد للحق إذا أخطأ فمأجور أيضاً، غير مذموم، لأن خطأه لا يخرجه من الملة، ولا يوجب له النار، وبذلك جاءت السنة عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم -. (١)


(١) الإبانة (٢/ ٤/٥٥٣ - ٥٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>