للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل، فأهل المدينة أولى أن لا يكره لهم، بل يستحب لهم زيارة القبور كما يستحب لغيرهم، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - خص بالمنع شرعا وحسا كما دفن في الحجرة، ومنع الناس من زيارة قبره من الحجرة كما يزار سائر القبور، فيصل الزائر إلى عند القبر، وقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليس كذلك، فلا تستحب هذه الزيارة في حقه ولا تمكن، وهذا لعلو قدره وشرفه، لا لكون غيره أفضل منه، فإن هذا لا يقوله أحد من المسلمين، فضلا عن الصحابة والتابعين، وعلماء المسلمين؛ بالمدينة وغيرها. (١)

- وقال: والمقصود أن الصحابة رضي الله عنهم لم يطمع الشيطان أن يضلهم كما أضل به غيرهم من أهل البدع، الذين تأولوا القرآن على غير تأويله، وجهلوا السنة إذا رأوا أو سمعوا أمورا من الخوارق، فظنوها من جنس آيات الأنبياء والصالحين، وكانت من أفعال الشياطين؛ كما أضل النصارى، وأهل البدع بمثل ذلك، فهم يتبعون المتشابه من الكتاب ويدعون المحكم، ولذلك يتمسكون بالمتشابه من الحجج العقلية والحسية، كما يسمع ويرى أمورا فيظن أنه رحماني، وإنما هو شيطاني، ويدعون البين الحق الذي لا إجمال فيه، ولذلك لم يطمع الشيطان أن يتمثل في صورته، ويغيث من استغاث به، أو أن يحمل إليهم صوتا يشبه صوته، لأن الذين رأوه قد علموا أن هذا شرك لا يحل، ولهذا أيضا لم يطمع فيهم أن يقول أحد منهم لأصحابه: إذا كانت لكم حاجة فتعالوا إلى قبري، ولا تستغيثوا بي لا في محياي ولا في مماتي، كما جرى مثل هذا لكثير من المتأخرين، ولا طمع الشيطان أن يأتي أحدهم


(١) الصارم المنكي (١١٥ - ١١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>