للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورابعها: معرفة الحديث وطرقه.

واشتملت هذه الفنون من المعارف النبوية والقواعد العلمية على ما يضطر كل عارف إلى أنهم أتم الخلق عناية بحماية علم الحديث عن التبديل والتحريف، وأنهم الجهابذة النقاد بعلم المتن والإسناد، فإنهم الذين بينوا أنواع الحديث التي اختلف في قبولها أهل العلم، مثل التدليس والإعضال، والاضطراب والإعلال، والنكارة والإرسال، والوصل والقطع، والوقف والرفع، وغير ذلك من علوم الحديث الغزيرة، وفوائده العزيزة، ولأمر ما سارت تصانيفهم فيه سير الكواكب، وانتفع بكلامهم فيه الولي الصادق والعدو المناصب، والمتهم لهم بحشو الأحاديث واختلاق الأباطيل في الحديث لا يكون من أهل العقول التامة، دع عنك أهل المعارف من الخاصة، وذلك أنه لا خفاء على العاقل أن أئمة الفن لا يكونون هم المتهمين فيه، إذ لو كان كذلك لبطل العلم بالمرة، فإنا لو اتهمنا النحاة في النحو واللغويين في اللغة، والفقهاء في الفقه، والأطباء في الطب لم يتعلم جاهل ولا تداوى مريض. فيا هذا من للحديث إذا ترك أهله؟ فلو عدمت تآليفهم فيه وتحقيقهم لألفاظه ومعانيه، لأظلمت الدنيا على طالبه وأوحشت المسائل على مريده.

يا هذا، فكر لم سموا أهل الحديث، ولم سمي أهل الكلام بذلك، وكذلك أهل النحو وسائر الفنون؟! فإن كان أهل الحديث قد سموا بذلك عندك مع عدم معرفتهم به وكذبهم فيه فهلا جوزت مثل ذلك في سائر أهل الفنون، بل في سائر أهل الصناعات، بل في جميع أهل الأسماء المشتقات، فيجوز أن يسمى الفقيه نحويا والمتكلم عروضيا والغني فقيرا والصغير كبيرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>