للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلتبس على أحد، ولو فرضنا والعياذ بالله أن عالما من علماء الإسلام يجعل قوله كقول الله أو قول رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكان كافرا مرتدا، فضلا عن أن يجعل قوله أقدم من قول الله ورسوله -فإنا لله وإنا إليه راجعون- ما صنعت هذه المذاهب بأهلها؟ وإلى أي موضع أخرجتهم؟ وليت هؤلاء المقلدة الجناة الأجلاف نظروا بعين العقل إذ حرموا النظر بعين العلم، ووازنوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين أئمة مذاهبهم وتصوروا وقوفهم بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهل يخطر ببال من بقيت فيه بقية من عقل هؤلاء المقلدين أن هؤلاء الأئمة المتبوعين عند وقوفهم المعروض بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يردون عليه قوله أو يخالفونه بأقوالهم؟ كلا والله بل هم أتقى لله وأخشى له. فقد كان أكابر الصحابة يتركون سؤاله - صلى الله عليه وسلم - في كثير من الحوادث هيبة وتعظيما. وكان يعجبهم الرجل العاقل من أهل البادية إذا وصل يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستفيدوا بسؤاله كما ثبت في الصحيح (١)، وكانوا يقفون بين يديه كأن على رؤوسهم الطير يرمون بأبصارهم إلى ما بين أيديهم ولا يرفعونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتشاما وتكريما. وكانوا أحقر وأقل عند أنفسهم من أن يعارضوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآرائهم، وكان التابعون يتأدبون مع الصحابة بقريب من هذا الأدب، وكذلك تابعو التابعين كانوا يتأدبون بقريب من آداب التابعين مع الصحابة. فما ظنك أيها المقلد لو حضر إمامك بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

فإذا فاتك يا مسكين الاهتداء بهدى العلم فلا يفوتنك الاهتداء بهدى العقل، فإنك إذا استضأت بنوره خرجت من ظلمات جهلك إلى نور الحق. فإذا عرفت ما


(١) أخرجه: مسلم (١/ ٤١ - ٤٢/ ١٢) والترمذي (٣/ ١٤ - ١٥/ ٦١٩) والنسائي (٤/ ٤٢٧/٢٠٩٠) من حديث أنس بن مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>