للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} (١)، فدل على أن للعبد كسبا يجزى على حسنته بالثواب، وعلى سيئته بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره، سبحانه وتعالى.

والإيمان بالقدر، على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين:

الأولى: الإيمان بأن الله عليم بما يعمل الخلق بعلمه القديم الذي هو موصوف به، وقد علم جميع أحوالهم، من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، ثم كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلق، وأول ما خلق الله القلم وقال له: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. وهذا التقدير تابع لعلمه سبحانه، يكون في مواضع جملة وتفصيلا، فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء. وإذا خلق الجنين قبل خلق الروح فيه، بعث إليه ملكا، فيؤمر بأربع كلمات فيقال: اكتب رزقه، وأجله، وعمله، شقي أم سعيد (٢) ونحو ذلك. فهذا القدر قد كان ينكره غلاة القدرية قديما، ومنكره اليوم قليل.

أما الثانية: فهو مشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة وهو الإيمان بأن ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه، لا يكون في ملكه ما لا يريد. وأنه سبحانه على كل شيء قدير، من الموجودات والمعدومات، فما من مخلوق في الأرض، ولا في السماء إلا الله خالقه، سبحانه لا خالق غيره، ولارب سواه، ومع ذلك فقد أمر العباد بطاعته وطاعة رسوله، ونهاهم عن معصيته ومعصية رسوله، وهو سبحانه يحب المتقين والمحسنين والمقسطين، ويرضى عن الذين


(١) غافر الآية (١٧).
(٢) هو حديث الصادق المصدوق. تقدم تخريجه في موقف السلف من عمرو بن عبيد سنة (١٤٤هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>