للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما لم يسلك العبد هذا السبيل، فمحال أن يصل إلى رضوان ربه وثوابه، فاتكال الأحمق على القدر بدون جد واجتهاد، قدح في القدر والشرع جميعا. وكذلك المطالب الأخر، كنيل العلم، وإدراكه: هل يمكن بغير جد واجتهاد ومواصلة الأوقات في طلبه، وسلوك الطرق المسهلة له؟ فمن قال: إن قدر لي، أدركت العلم، اجتهدت أم لا، فهو أحمق. كما قال بعضهم:

تمنيت أن تمسي فقيها مناظرا ... بغير عناء، والجنون فنون

وليس اكتساب المال دون مشقة ... تلقيتها فالعلم كيف يكون

وهكذا: من ترك الزواج، وقال: إن قدر لي أولاد حصلوا، تزوجت أو تركت.

ومن رجا حصول ثمر أو زرع، بغير حرث وسقي وعمل، متكلا على القدر، فهو أحمق مجنون. وهكذا سائر الأشياء دقيقها وجليلها.

فعلم أن القيام بالأسباب النافعة، واعتقاد نفعها، داخل بقضاء الله وقدره، دون الإخلاد إلى الكسل، والسكون مع القدرة على الحركة، هو الجنون. وإن قول من قال:

جرى قلم القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون

جنون منك أن تسعى لرزق ... ويرزق في غشاوته الجنين

هو الغلط الفاحش. وإن هذا القياس الذي قاسه -قاس القادر على الحركة المأمور بها، على العاجز إذا خلا عن الحركة- قياس عجيب غريب، ولو أن هذا الشاعر قاس من تعذرت عليه الحركة والأسباب من كل وجه،

<<  <  ج: ص:  >  >>