للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتحديد ذلك إلى نهاية الدولة الأموية، وقد يلتحق به زمن الخلفاء الأولين من بني العباس الذين تربوا في البيئة الأموية. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج٧صلى الله عليه وسلم٤): اتفقوا -أي اتفق أئمة الإسلام- أن آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود سنة ٢٢٠هـ، ثم ظهرت البدع، وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا.

هذه المدة التي تنبأ عنها خاتم رسل الله - صلى الله عليه وسلم - ونعتها بأنها "خير القرون" وكان ذلك من أعلام نبوته، هي عصور الإسلام الذهبية التي لم ير الإسلام أعظم منها بركة، ولا أعز منها لأهله رفعة وسلطانا، ولا أصدق من جهاد قادتها جهادا، ولا أوسع من دعوتها إلى الله في أوسع الآفاق من أرض الله، وفيها انتشر حفظة القرآن في أنحاء المعمورة ورحل شباب التابعين إلى كل بقعة فيها صحابي يحفظ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا من سنته السنية ليتلقوها عنه قبل أن تموت بموته، ثم رحل تابعوهم إلى كل بقعة فيها أحد من كبار التابعين يحفظ شيئا عن الصحابة ليحملوا عنه ما حمله عن شيوخه من الصحابة، وهكذا وصلت أمانة السنة إلى رجال التدوين -من أمثال مالك وأحمد وشيوخهم ومعاصريهم وتلاميذهم- غضة يفوح منها عبق النبوة، هدية من الأمناء الحافظين إلى الأمناء الحافظين، فكان من ذلك أثمن تراث للمسلمين بعد كتاب الله عز وجل، فبهمة هؤلاء حفظ الله لنا هذه الكنوز، وبسيوفهم فتح الله للإسلام هذه الممالك، وبدعوتهم المباركة نشر الله دعوة الإسلام، فكان لنا اليوم هذا العالم الإسلامي بأوطانه وشعوبه وما فيه من علوم وعلماء كانوا في عصور الإسلام الأولى ملح الأرض وزينة الدنيا،

<<  <  ج: ص:  >  >>