للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- قال في شرحه على نونية ابن القيم:

وهذه الهجرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع قطع مسافتها، وبلوغ غايتها إلا من جرد لها ركائب عزمه، وتوجه إليها بكل همه، ولم يلتفت إلى شيء مما يعوقه في سيره من تقليد لمذهب أو تعصب لرأي أو استحسان لبدعة، ولكن مسافتها تطول وتطول جدا على من خصهم الله بالحرمان والخذلان، فصرف قلوبهم عنها، وكره انبعاثهم إليها، فثبطهم وقال اقعدوا مع القاعدين، فهي هجرة لا ينالها أبدا كسلان، ولا يقوى عليها كل رعديد الفؤاد جبان، وهي هجرة لا تحتاج أن تعد لها زادا وراحلة، وتضرب في بيد الأرض وقفارها، بل قد يقوم بها العبد وهو نائم على فراشه، ويسبق في مضمارها الساعين إلى منازل الرحمة والرضوان، الذين يغذون السير جاهدين، تخب بهم مطاياهم، وأما هو فيسير سيرا لينا رفيقا، ولكنك تراه مع ذلك قد سبق الركب، وسار أمامهم كأنه الجبل العظيم، يراه من في القاع تحته، وإنما هيأ له السبق في المضمار أنه نشرت له أعلام النصوص، وفي رؤوسها أوقدت نيران، هي النور المبين لهداية السالك الحيران، ولكن لا يراها إلا من كانت له عينان بمراود الوحي مكتحلتان، لا بمراود أهل الفشر والهذيان، فلما رآها هرع نحوها وجرد السعي إليها، فلم يلتفت عنها يمينا ولا شمالا حتى بلغها وأدرك عندها بغيته وحقق أمله. (١)

- وقال: وردت أحاديث كثيرة على ما أعد الله سبحانه من أجر عظيم للمتمسكين بسنة نبيه المختار - صلى الله عليه وسلم - عند فساد الزمان وانحلال عرى


(١) شرح النونية (٢/ ٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>