للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يكتفي المربي بالتذكير بحقيقة الدنيا، بل ويعمل على ربط حديثه بالواقع ليستقر المعنى في الذهن واليقين .. وهذا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع صحابته فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بالسوق والناس كنفتيه - أي عن جانبيه - فمر بجدي أسك ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: " أيكم يُحب أن يكون له هذا بدرهم؟ " قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا أنه أسك. فكيف وهو ميت! فقال: " فو الله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم " (١).

[التربية الميدانية]

مما لا شك فيه أن طبيعة دور المربي تستدعي منه تواجدا مستمرا مع الأفراد ليتسنى له متابعتهم، وحسن توجيههم كما قال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف/٢٨].

فمباشرة مهام التوجيه، وضبط الفهم، وفتح مجالات العمل، والحفاظ على الأفراد و ... كل ذلك يستدعي من المربي تطبيق قوله تعالى: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف/٢٨].

ولقد كان صلى الله عليه وسلم يتعاهد أصحابه ويتفقدهم، ويسأل عن غائبهم، ويسعى في قضاء حوائجهم، وحل مشكلاتهم.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس - رضي الله عنه - فقال رجل: يا رسول الله! أنا أعلم لك علمه. فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال: ما شأنك؟ قال: شر .. كان يرفع صوته فوق صوت النبي فقد حبط عمله وهو من أهل النار، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة ".


(١) رواه مسلم.

<<  <   >  >>