للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنْ علمَ أنَّ «المعيةَ» تضافُ إلى كلِّ نوعٍ منْ أنواعِ المخلوقاتِ - كإضافةِ الربوبيةِ مثلًا - وأنَّ الاستواءَ على الشيءِ ليسَ إلَّا للعرشِ، وأنَّ الله يوصفُ بالعلوِّ والفوقيَّةِ الحقيقيةِ، ولا يوصفُ بالسُّفولِ ولا بالتحتيَّةِ قطُّ، لا حقيقةً ولا مجازًا: عُلِمَ أنَّ القرآنَ على مَا هوَ عليهِ مِنْ غيرِ تحريفٍ (١).

الشُّبْهَةُ العَاشِرَةُ

قالَ النَّسفي في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] أي: من ملكوته في السَّماءِ؛ لأنَّها مسكنُ ملائكتهِ، ومنها منزلُ قضاياه وكتبهِ وأوامرهِ ونواهيهِ، فكأنَّهُ قالَ: أأمنتم خالقَ السَّماءِ وملكَهُ؛ أو لأنَّهم [أي المشركين] كانوا يعتقدونَ التَّشبيهَ، وأنَّه في السَّماء، وأنَّ الرحمةَ والعذابَ ينزلانِ منهُ؛ فقيل لهمْ على حسبِ اعتقادهم: أأمنتمْ منْ تزعمونَ أنَّه في السَّماءِ وهو متعالٍ عَنِ المكانِ (٢).

أقولُ وبالله التوفيق: هذا تحريفٌ لكتابِ الله تعالى؛ فقدْ حرَّف هذهِ الآيةَ بتحريفينِ فاضحينِ:

أمَّا التَّحريفُ الأوَّلُ: فهوَ تأويلُ قولهِ تعالى: {مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦] بمنْ ملكوتهُ في السَّماءِ، يعني أنَّ الله تعالى ليسَ في السَّماءِ بلْ ملكوتهُ في السَّماءِ، وهذا تحريفٌ محضٌ؛ لأَنَّهُ خارجٌ عنْ لغةِ العربِ ولا يقتضيهِ سياقُ هذهِ الآيةِ البتةَ؛ فإنَّ كلمةَ «من» اسمُ موصولٍ بمعنى «الذي» والمرادُ هوَ الله تعالى وكلمةُ «في» بمعنى «على» و «السَّماء» هو «العلوُّ» فكلُّ ما علا فهو سماء، فكلمةُ «في» ليستْ للظرفيَّةِ، و «السَّماء» ليسَ المرادُ منهَا الفلكَ والجسمَ، بل المرادُ جهة العلوِّ.


(١) مجموع الفتاوى (٥/ ١٠٢ - ١٠٦).
(٢) مدارك التنزيل وحقائق التأويل (٤/ ٢٢٢) للنسفي.

<<  <   >  >>