للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وقيلَ هو مبنيٌّ على زعمِ العربِ حيثُ كانوا يزعمونَ أنَّهُ سبحانهُ في السَّماءِ؛ فكأنَّهُ قيلَ: أأمنتم منْ تزعمونَ أنَّهُ في السَّماءِ. وهو متعالٍ عَنِ المكانِ!! وهذا في غايةِ السَّخافةِ، فكيفَ يناسبُ بناءُ الكلامِ في مثلِ هذا المقامِ على زعمِ بعضِ الجهلةِ، كما لا يخفى على المنصفِ» (١).

ثمَّ ذكرَ الألوسيُّ عدةَ نصوصٍ لأئمَّةِ الإسلامِ على إقرارِ الصِّفاتِ لله تعالى ولا سيَّما صفةُ العلوِّ لهُ تعالى، وقالَ: «وأئمَّةُ السَّلفِ لم يذهبوا إلى غيرهِ تعالى».

أقولُ: يعني الألوسيُّ: أنَّ معنى الآية عندَ السَّلفِ أأمنتم الله الذي في السَّماءِ أي في العلوِّ، بأنَّ المرادَ منْ قولهِ «من» هو اللهُ تعالى لا غيرُ.

ثمَّ قالَ الألوسيُّ أيضًا: «وحديثُ الجاريةِ منْ أقوى الأدلَّةِ لهم في هذا البابِ، وتأويلهُ بما أوَّلَ بهِ الخلفُ خروجٌ عن دائرةِ الإنصافِ عندَ أولي الألبابِ» (٢).

وهذا كلامٌ في غايةِ الإنصافِ لمنْ فهمهُ (٣).

الشُّبْهَةُ الحَادِيَةُ عَشْرَةَ

لوْ كانَ تعالى فوقَ العرشِ لما صحَّ القولُ بأنَّهُ تعالى قريبٌ منْ عبادهِ.

والجوابُ على هذهِ الشُّبهةِ أنْ يقالَ:

ليسَ فِي القرآنِ وصفُ الرَّبِّ بالقربِ منْ كلِّ شيءٍ أصلًا؛ بلْ قربهُ الّذي فِي القرآنِ خاصٌّ لا عامٌّ، كقولهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦]، فهوَ سُبْحَانهُ قريبٌ ممَّنْ دعاهُ.

وهذا القربُ من الدَّاعي هوَ قربٌ خاصٌّ، لَيْسَ قربًا عامًّا منْ كلِّ أحدٍ؛ فهوَ قريبٌ منْ داعيهِ وقريبٌ منْ عابدهِ.


(١) روح المعاني (٢٩/ ١٥).
(٢) التنبيهات السنية (ص١٠٨ - ١١١).
(٣) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٧٥).

<<  <   >  >>