للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشُّبْهَةُ السَّادِسَةُ عَشْرَةَ

كان في الأزلِ ليسَ مستويًا على العرشِ، وهو الآن على ما عليه كانَ، فلا يكونُ على العرش؛ لأنَّ الاستواءَ فعلٌ حادثٌ - كانَ بعدَ أنْ لمْ يكنْ - فلو قامَ بهِ الاستواءُ لقامتْ بهِ الحوادثُ، وإنَّ قيامَ الحوادثِ بذاتهِ تغيُّرٌ والله منزَّهٌ عنِ التغيُّرِ.

ينبغي أن يعلمَ بأنَّ المشتغلينَ بعلمِ الكلامِ إذا قالوا: «لا تحلُّهُ الحوادثُ» أوهموا النَّاسَ أنَّ مرادهم أنَّهُ لا يكونُ محلًا للتغيراتِ والاستحالاتِ ونحو ذلكَ منَ الأحداثِ التي تحدثُ للمخلوقينَ فتحيلهم وتفسدهم، وهذا معنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلكَ أنَّهُ لا ينزلُ إلى السَّماءِ الدنيا، ولا يأتي يومَ القيامةِ ولا يجيءُ، ولا يغضبُ بعدَ أنْ كانَ راضيًا، ولا يرضى بعدَ أنْ كانَ غضبانَ، ولا يقومُ بهِ فعلٌ البتةَ، ولا أمرٌ مجددٌ بعدَ أنْ لمْ يكنْ، ولا استوى على عرشهِ بعدَ أنْ لمْ يكنْ مستويًا عليهِ، ولا يغضبُ يومَ القيامةِ غضبًا لمْ يغضبْ قبلهُ مثلهُ، ولنْ يغضبَ بعدهُ مثلهُ، ولا ينادي عبادهُ يومَ القيامةِ بعدَ أنْ لمْ يكنْ مناديًا لهم، فإنَّ هذهِ كلَّها حوادثُ، وهو منزَّهٌ عنْ حلولِ الحوادثِ (١)؛ فإنَّ هذا مِنَ اللبسِ والتلبيسِ، وتسميةِ المعاني الصحيحةِ الثابتةِ بالأسماءِ القبيحةِ المنفِّرةِ، وتلكَ طريقةٌ للنُّفاةِ مألوفةٌ وسجيةٌ معروفةٌ (٢).

والجوابُ على الشُّبهةِ المذكورةِ - التي هيَ أوهنُ منْ بيتِ العنكبوتِ - منْ وجوهٍ:

الأولُ:


(١) الصواعق المرسلة (ص٩٣٥ - ٩٣٦).
(٢) الصواعق المرسلة (ص١٥٠٠).

<<  <   >  >>