للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعلومٌ أنَّ الكلامَ المذكورَ في الحديثِ كلامُ الله الَّذي لا يقولهُ غيرهُ، فإنَّ الملكَ لا يقولُ: «لا أسألُ عنْ عبادي غيري»، وَلاَ يقولُ: «مَنْ يسألني أعطيهُ». بل الذي يقولُ الملَكُ: ما ثبتَ فِي الصَّحيح عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «إِذَا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلُ إنِّي أُحِبُّ فلانًا فأحبَّه، فيحبُّهُ جبريلُ، ثمَّ ينادي فِي السَّمَاء إنَّ اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبُّهُ أهلُ السَّمَاءِ، ثمَّ يوضعُ لهُ القبولُ فِي الأرضِ» (١)، وذكرَ فِي البغضِ مثلَ ذلكَ.

فالملكُ إِذَا نادى عَنِ الله لا يتكلَّمُ بصيغةِ المخاطبِ، بلْ يقولُ: إنَّ الله أمرَ بكذا وقالَ بكذا. وإِذَا أمرَ السُّلطانُ مناديًا ينادي فإنَّهُ يقولُ: يا معشرَ النَّاسِ! أمرَ السُّلطانُ بكذا، ونهى عنْ كذا، ورسمَ بكذا، لا يقولُ أمرتُ بكذا، ونهيتُ عنْ كذا، بلْ لوْ قَالَ ذلكَ بودرَ إلى عقوبتهِ.

الرابعُ:

أنَّهُ قالَ: «ينزلُ إلى السَّمَاء الدنيا، فيقولُ: منْ ذا الذي يدعوني فأستجيبَ له؟ منْ ذا الذي يسألُني فأعطيَهُ؟ منْ ذا الذي يستغفرُني فأغفرَ له؟ حتَّى يطلعَ الفجرُ»، ومعلومٌ أنَّهُ لا يجيبُ الدعاءَ ويغفرُ الذنوبَ ويعطي كلَّ سائلٍ إلَّا الله، وأمرهُ ورحمتهُ لا تفعلُ شيئًا منْ ذلكَ.

الخامسُ:

نزولُ أمرهِ ورحمتهِ لا تكونُ إلَّا منهُ، وحينئذٍ فهذا يقتضي أنْ يكونَ هو فوقَ العالمِ، فنفسُ تأويلهِ يبطلُ مذهبهُ، ولهذا قال بعضُ النُّفاةِ لبعضِ المثبتينَ: ينزلُ أمرهُ ورحمتهُ، فقالَ لهُ المثبتُ: فممَّنْ ينزلُ؟! مَا عندكَ فوقَ العالمِ شيءٌ، فممَّنْ ينزلُ الأمرُ؟ مِنَ العدمِ المحضِ!! فبهتَ النَّافي وكانَ كبيرًا فيهم (٢).


(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري (٣٢٠٩ و٦٠٤٠ و٧٤٨٥)، ومسلم (٢٦٣٧).
(٢) مجموع الفتاوى (٥/ ٤١٦).

<<  <   >  >>