للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو تعالى لم يقبل من أقسام الشركة حتى أضعفها وأخفاها، وهي الشركة بالجاه في تحصيل السلامة والنجاة؛ إلا بعد الإِذن للشفيع، وتعيين المشفوع له، وحينئذ لا تكون في الشفاعة رائحة الشركة، بل الشفاعة- كغيرها من وجوه النفع- هي لله وحده.

ولم يخرج عن الآية شيء من أقسام الشركة؛ لأن الشريك إما في الملك، وإما في التصرف، والأول: إما أن يحتاز قسطه، وإما أن يكون على الشياع، والثاني: إما أن يعين المالك، وإما أن يعين أحداً عند المالك؛ فتلك الأقسام الأربعة مرتبة ترتيبها في الآية، وتلك الأقسام على ظهورها من الآية لم أر من أعرب عنها هذا الإِعراب.

وقسم أبو البقاء الحنفي في " كلياته " الشرك إلى ستة أقسام؛ فقال: " والشرك أنواع: شرك الاستقلال: وهو إثبات شريكين مستقلين؛ كشرك المجوس. وشرك التبعيض: وهو تركيب الإِله من آلهة؛ كشرك النصارى. وشرك التقريب: وهو عبادة غير الله ليقرب إلى الله زلفى، كشرك متقدمي الجاهلية. وشرك التقليد: وهو عبادة غير الله تبعاً للغير؛ كشرك متأخري الجاهلية. وشرك الأسباب: وهو إسناد التاثير للأسباب العادية؛ كشرك الفلاسفة والطبائعيين ومن تبعهم على ذلك. وشرك الأغراض: وهو العمل لغير الله. فحكم الأربعة الأول الكفر بإجماع، وحكم السادس المعصية من غير كفر بإجماع، وحكم الخامس التفصيل؛ فمن قال في الأسباب العادية: إنها تؤثر بطبعها؛ فقد حكي الإِجماع على كفره، ومن قال: إنها تؤثر بقوة أودعها الله فيها؛ فهو فاسق " (*) [ص:٢١٦].


(*) أبو البقاء أشعري مُتكلِّم، وكون الأسباب تُؤثر بقوة أودعها الله فيها هو مذهب السلف؛ فلا يُغترّ بأشعرية أبي البقاء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية- ولله دره-:
" الأشعري ومن وافقه لا يُثبتون في المخلوقات قوى ولا طبائع، ويقولون: إن الله فعل عندها لا بها، ويقولون: إن قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل ... "، ثم قال شيخ الإسلام: =

<<  <   >  >>