للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- وقال العلاّمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى:

" حياة كلّها جدّ وعمل، وحي كلّه فكر وعلم، وعمر كلّه درس وتحصيل، وشباب كلّه تلقٍّ واستفادة، وكهولة كلّها إنتاج وإفادة، ونفس كلّها ضميرٌ وواجبٌ، وروح كلها ذكاء وعقل، وعقل كلّه رأي وبصيرة، وبصيرة كلّها نور وإشراق، ومجموعة خلال سديدة وأعمال مفيدة قلَّ أن اجتمعت في رجل من رجال النهضات، فإذا اجتمعت هيأت لصاحبها مكانه من قيادة الجيل، ومهّدت له مقعده من زعامة النهضة.

ذلكم مبارك الميلي الذي فقدته الجزائر من ثلاث سنين، ففقدت بفقده مؤرخها الحريص على تجلية تاريخها المغمور، وإنارة جوانبه المظلمة، ووصل عراه المنفصمة، وفقدته المحافل الإصلاحية ففقدت منه عالماً بالسلفية الحقة عاملاً بها، صحيح الإدراك لفقه الكتاب والسنّة، واسع الاطلاع على النصوص والفهوم، دقيق الفهم لها، والتمييز بينها والتطبيق لكلياتها، وفقدته دواوين الكتابة ففقدت كاتباً فحل الأسلوب، جزل العبارة، لبقاً بتوزيع الألفاظ على المعاني، طبقة ممتازة في دقة التصوير والإحاطة بالأطراف وضبط الموضوع والملك لعنانة، وفقدته مجالس النظر والرأي ففقدت مدرهاً لا يبارى في سوق الحُجّة وحضور البديهة وسداد الرميّة والصلابة في الحق والوقوف عند حدوده، وفقدته " جمعية العلماء " ففقدت ركناً باذخاً من أركانها، لا كلاً ولا وَكلاً، بل نهّاضاً بالعبء، مضطلعاً بما حُمّل من واجب، لا تؤتى " الجمعية " من الثغر الذي تكل إليه سدّه، ولا تخشى الخصم الذي تسند إليه مراسه، وفقدت بفقدة عَلَماً كانت تستضيء برأيه في المشكلات، فلا يرى الرأي في معضلة إلاّ جاء مثل فلق الصبح " (١).

ثم قال: " يشهد كل من عرف مباركاً وذاكره أو ناظره أو سأله في شيء مما


(١) انظر: " البصائر " - العدد (٢٦) " وأثار محمد البشير الإبراهيمي " (٣/ ٣٩ - ٤٣).

<<  <   >  >>