للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مالية يلتزم امرؤ بأدائها كل سنة لمن اعتقد فيه جلب منفعة أو دفع مضرة، وينسحب هذا الالتزام على ورثة الملتزِم لورثة الملتزَم له، وبطول المدة وانتشار النسل تصبح الغفارة ضريبة لقبيلة موصوفة بميزة دينية على أخرى منعوتة بالخدمة والطاعة لتلك، فيقولون: هذه القبيلة يغفرها (بالتضعيف) أولاد سيدي فلان، يريدون أنهم يأخذون منها الغفارة، ويقول كل من القابض والمعطي لصاحبه: أنت غفيري!! وهي من الأول بمعنى خديمي، ومن الثاني بمعنى سيدي، كما تطلق العرب المولى على الأعلى والأدنى معاً، قال الشاعر:

وَلَنْ يَتَسَاوَى سَادَةٌ وعَبِيدُهُمْ ... عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْجَمِيعِ مَوَالِي

والغفارة مقررة بحكم الالتزام الأول عدداً ونوعاً من إبل أو بقر أو غنم أو صوف أو سمن أو عسل أو غيرها، ثم السادة الغفراء قد تبقى غفارتهم بينهم على الشياع، وقد يقتسمونها باقتسام من يؤدونها لهم قسمة انتفاع؛ فالقبيلة المؤيدة للغفارة كالأرض المحبسة، والغفارة كغلتها.

• منشأ الغفارة:

ومنشأ الغفارة اعتقاد مؤديها أن لآخذها تصرفاً في الكون دفع به عنه مكروهاً أو أسدى إليه به معروفاً في نفسه أو [في] أهله أو [في] ماله، وبقدر تمكن هذا الاعتقاد الشركي في صاحبه يتمكن فيه الحرص على أداء الغفارات، وإن لم يكن ممن يؤدي الأمانات، ويقول بلسان حاله أو مقاله: ما بنا من نعمة، فهي من الشيخ؛ بسبب حسن قيامنا على عادته، وما أصابنا من مصيبة، فبإذن الشيخ، لتقصيرنا في أمره، وإن لم نشعر بأصل التقصير، وهكذا قلبوا الآيتين: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: ٥٣]، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [التغابن: ١١].

<<  <   >  >>