للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نشرها سنوات أصر فيها عليها، لولا ذلك؛ لعددناها من سقطات الأقلام، وهفوات الأحلام، فلم نثبتها في قرطاس، ولا ذكرنا بها من نسيها من الناس، وإن قصد قائلها معنى يحميه من التكفير، لم يسلم من وزر شناعة هذا التعبير.

• منزلة السلف الصالح:

نحن لا ندعي الاجتهاد، ولا نتنقص أئمة الدين المهتدين، بل نحترمهم، ونعترف لهم بالفضيلة؛ لكونهم سبقونا بالإِيمان، ومهدوا لنا طريق الاتباع بسنهم لنا صناعة التأليف وأصول التعليم.

وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: ١٠].

وروى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه؛ أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً؛ فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِل بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِل بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» (٢٥).


(٢٥) أخرجه مسلم في " صحيحه " (٢/ ٧٠٤ - ٧٠٥/ ١٠١٧) عن جرير بن عبد الله المجلي رضي الله عنه؛ قال: كُنّا عند رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صدر النهار، قال: فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ مجتابي النِّمار أو العَباء، متقلدي السيوف، عامّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضر، فتمعَّر وجه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذّن وأقام، فصلَّى ثم خطب؛ فقال:
«{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١]- إلى آخر الآية- {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، والآية التي في الحشر: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: ١٨]، تصدق رجل مِنْ ديناره، مِنْ دِرهمه، من ثوبه، من صاع بُرّه، من صاع تمره (حتى قال)، ولو بِشِقّ تمرة». قال: فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجز عنها، بل قد =

<<  <   >  >>