للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذه الشبهة في ذات السورة، حتى وإن لم نثبت موطن الشك في ذات السورة، إذ لا بد من وجود قرينة أو دليل عليه في القرآن، أما الرد على الشبهة فلا بد أن يكون في ذات السورة، لأنه كان رداً على شبهة واقعة، ولا يعقل ذكرها من غير الرد عليها، فأين وقع ذكر الشك في كلام الله أو الشك في كتابه في القرآن؟ نجده في قوله تعالى {وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [فصلت: ٤٥] وجاء في سياق الرد على المشركين لتشابه حالهم مع حال بني إسرائيل في شكهم من الذكر، وقد جاء هذا التشبيه بسبب قول المشركين "لو كان هذا الكتاب أعجمياً لا عربياً! " إذن موطن الشك له علاقة واضحة بكونهم عرباً وأمّيين، وأن الرسول منهم كما سبق، وهذه الآية من سورة فصلت، وهي من سور الفواتح وهي مكية أيضاً، وابتدأت بقوله تعالى {حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣)} وقد نزلت على الأغلب بعد سورة (ص) مباشرة لتفصل القول المبين، وأشارت لكون القرآن عربي بمجمله - لغته وكتابته - وسُمّيت فصلت لا لرد طلب سخيف من المشركين لكي ينزل القرآن بلغة أخرى لا يفهمونها!! بل جاءت لتفصّل القول في شبهة هي من أعظم الشبه على الإطلاق، فقد تجلى في هذه الشبهة مكر المشركين من العرب في ذلك الزمان، ليس هذا وحسب، فقد جاء فيها ذكر دلالة عجيبة لم يذكرها أحد لا في السير ولا في التاريخ، وأتت بقوله تعالى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ الآية ٤٤ فصلت} ولم يتنبه لما وراءها أحد (١)، فهذه الآية لم تأت لرد الطلب بجعل القرآن أَعْجَمِيًّا للتعجيز أو للمماثلة بما سبق من الكتب السماوية، ولم يكن تعنتاً كما قيل فيها، فرب العزة رد عليهم تعنتهم بالكثير من الآيات كقوله تعالى {بل


(١) وجُلّ ما فعل المفسرون هو تفسير معنى أأعجمي وعربي مع خلاف بينهم.

<<  <   >  >>