للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سرايا وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم]

كما أننا وقفنا وقفة مع نوعية المقاتلين لا بد أن نقف وقفة أخرى مع أولئك الذين استخلفهم صلى الله عليه وسلم على المدينة المنورة عندما خرج بنفسه للقتال.

هناك ثمان غزوات وسرايا تمت قبل غزوة بدر، من رمضان في السنة الأولى هجرية إلى رمضان في السنة الثانية هجرية، سنة كاملة تمت فيها ثمان غزوات وسرايا.

الغزوة: هي التي كان يخرج فيها صلى الله عليه وسلم بنفسه، وحينها كان يستخلف أحد أصحابه على المدينة المنورة.

أما السرية فهي التي يرسل فيها بعض الجنود بقائد من الصحابة، ولا يخرج فيها صلى الله عليه وسلم.

إذاً: لرسول صلى الله عليه وسلم أربع سرايا وأربع غزوات، فالأربع الغزوات التي خرج فيها استخلف على المدينة أناساً من أصحابه، استخلف مرة سعد بن عبادة، ومرة سعد بن معاذ، ومرة زيد بن حارثة، ومرة أبا سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنهم أجمعين.

أما تنوع الرجال فأمر مفهوم، فقد كان يربي قيادات تستطيع تحمل المسئولية، ويدربهم على القيادة تدريباً حقيقياً واقعياً.

كما أن قيادة سعد بن عبادة وسعد بن معاذ للمدينة المنورة في غياب الرسول عليه السلام أمر مفهوم أيضاً؛ وذلك لأن سعد بن عبادة سيد الخزرج، وسعد بن معاذ سيد الأوس، لكن اللافت للنظر حقاً هو ولاية زيد بن حارثة رضي الله عنه في سرية، وأبي سلمة بن عبد الأسد في سرية أخرى، وهذان الاثنان من المهاجرين وليسا من الأنصار، وولايتهم على المدينة المنورة مستغربة جداً، وإن كانت تدل على شيء فإنها تدل على أمور في غاية الرقي، منها: طاعة الأنصار الكاملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

منها: أن المدينة أصبحت كياناً واحدًا، لا فرق فيها بين مهاجر وأنصاري.

منها: زهد الأنصار في الدنيا، وعدم رغبتهم أبداً في الرئاسة أو الملك.

فإذا أضفت إلى كل ذلك أن زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه كان مولى يباع ويشترى علمت مدى الانقلاب الهائل الذي أحدثه الإسلام في نفوس العرب كافة، حتى قبل أشراف الأنصار وأشراف المهاجرين بولاية زيد بن حارثة عليهم، ما دام يحكمهم بالإسلام وبأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والجميل في ذلك أن هذا التغير الهائل في طبيعة العرب لم يتطلب أعواماً ولا قروناً، بل عدة شهور فقط! زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه تولى قيادة المدينة لما خرج الرسول عليه والسلام في غزوة سفوان، وكان غزوة سفوان في ربيع الأول من السنة الثانية هجرية، أي: بعد حوالي اثني عشر شهراً من قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة.

فانظر إلى تربية الإسلام كم هي جميلة، وانظر إلى التغير الهائل الذي يحدثه الإسلام في قلوب الناس، وهذا لا يكون إلا لمنهج رب العالمين سبحانه وتعالى.

أما بالنسبة للسرايا والغزوات التي حصلت فكانت بالترتيب الآتي: كانت ثمان غزوات وسرايا مثل ما قلنا.

فالسرية الأولى سرية سيف البحر، سيف البحر، يعني: ساحل البحر بكسر السين وليس بفتحه، كانت في رمضان سنة واحد هجرية.

السرية الثانية: سرية رابغ في شوال سنة واحد هجرية، بقيادة عبيدة بن الحارث بن المطلب رضي الله عنه.

السرية الثالثة: سرية الخرار في ذي القعدة سنة واحد هجرية، بقيادة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

ثم بعد ذلك غزوة الأبواء وتسمى ودان في صفر من السنة الثانية هجرية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تحدث في ذي الحجة ومحرم غزوات وسرايا؛ لأنها أشهر حرم ليس فيها قتال.

بعد ذلك: غزوة بواط، في ربيع أول سنة اثنين هجرية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.

بعد ذلك: غزوة سفوان في ربيع أول أيضاً سنة اثنين هجرية بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.

السابعة: غزوة ذي العشيرة في جمادى الأولى سنة اثنين هجرية، بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.

الثامنة: سرية نخلة في رجب سنة اثنين هجرية بقيادة عبد الله بن جحش رضي الله عنه وأرضاه.