للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جندي البركة]

الجندي السابع من جنود الرحمن سبحانه وتعالى: جندي غريب جداً، اسمه جندي البركة، وهو تضخيم النتيجة للفعل البسيط، يعني: تعمل شيئاً لا يؤدي في الأصل إلى نتيجة كبيرة، فإذا بالله عز وجل يبارك في هذا العمل ويضخم أثره؛ حتى تصبح النتيجة هائلة.

مثال ذلك: أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم بدر حفنة من حصباء من التراب، فاستقبل بها قريشاً ورماها في وجوههم وقال: (شاهت الوجوه)، فما من أحد من المشركين إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، والحديث في صحيح مسلم، وفي ذلك أنزل الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧]، نعم.

الرسول صلى الله عليه وسلم رمى: (إِذْ رَمَيْتَ)، ولكن لو رمى بالتراب وجوههم ألف مرة فلن يصيب عيون الكافرين جميعاً إلا إذا أراد الله عز وجل للتراب أن يصيبهم، وفعل الرمي هذا لا يؤدي في المعتاد إلى النتيجة الضخمة التي حدثت؛ لذلك ينفي ربنا سبحانه وتعالى الرمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه هو الذي أخذ التراب ورماه، لكن الذي أخذه إلى مرماه الحقيقي هو الله عز وجل.

أيضاً في قصة قتل أبي جهل فرعون هذه الأمة وقائد المشركين، وهو واحد من أبرز فرسان المشركين، وأكثر المشركين جرأة على المسلمين وأمنعهم، كان محاطاً بفرقة عسكرية قوية لحمايته، ومع ذلك قتل بطريقة عجيبة، فلو قتله فارس محترف من فرسان المسلمين، مثل الزبير بن العوام، أو علي بن أبي طالب، أو طلحة بن عبيد الله لكان هذا أمراً مفهوماً عندنا، لكن قتله تم بطريقة عظيمة، وليس لها إلا تفسير واحد: هو جندي البركة، وذلك أن الله عز وجل بارك في فعل ضعيف؛ ليحقق نتيجة هائلة قوية ألا تحدث هذه النتيجة، تعالوا نسمع القصة التي يحكيها عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه في قتل أبي جهل، والقصة في البخاري.

يقول: إني لفي الصف يوم بدر، إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن عن يمينه وشماله طفلان: معاذ بن عمرو بن الجموح وعمره ثلاث عشرة سنة، ومعوذ بن عفراء عمره أربع عشرة سنة، يقول عبد الرحمن بن عوف: فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه: أي عم! أرني أبا جهل فقلت: يا ابن أخي! فما تصنع به؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده! لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده -لن يفارق ظلي ظله- حتى يموت الأعجل منا.

يا الله! هذا الكلام يخرج من طفل عمره ثلاث عشر سنة أو أربع عشرة سنة، ولا يريد قتل أي واحد حصين في الجيش الكافر، بل يريد قتل زعيم الجيش الكافر المحمي بكتيبة عسكرية، فهذا الكلام عجيب وغير منطقي، حتى قال عبد الرحمن بن عوف: فتعجبت لذلك، ثم قال: وغمزني الآخر فقال لي مثل هذا، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه.

تعالوا نترك عبد الرحمن بن عوف ونسمع من الطفل معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنه وعن أبيه وهو يحكي هذا الموقف.

الموقف في رواية ابن إسحاق وفي رواية ابن سعد في الطبقات يقول: سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة -أي الغابة كثيفة الأشجار- وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه؛ لأنها أهم شخصية في الجيش المكي، يقول معاذ: فلما سمعته جعلته من شأني فصمت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطمت قدمه بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطير من تحت مرضخة النواة حين يضرب بها.

الله أكبر! ضربة من سيف معاذ أطارت ساق أبي جهل! ليس من الطبيعي أبداً أن معاذاً يفكر في قتل أبي جهل، وليس من الطبيعي أن معاذاً يقدر على الوصول إلى أبي جهل وهو داخل كتيبة عسكرية قوية تحميه، وليس من الطبيعي أن أبا جهل لا يستطيع أن يرد ضربة معاذ، وليس من الطبيعي أن ضربة معاذ تطير ساق أبي جهل هكذا بلحمها وعظمها، بل من الصعب بتر ساق بضربة واحدة، هذا يحتاج إلى فارس محترف متمكن مفتول العضلات، فصعب جداً أن نفهم أن هذا الأمر يأتي من طفل عمره ثلاث عشرة أو أربع عشر سنة، لكن هذا حصل وليس هذا فقط، بل بعد أن ضرب معاذ بن عمرو بن الجموح رضي الله عنه وعن أبيه أبا جهل، جاء معوذ بن عفراء الطفل الثاني الذي كان ينافسه على قتل أبي جهل وضرب أبا جهل ضربة أثبتته.

انتهى، ولم يبق فيه إلا رمق بسيط جداً من الحياة، ثم جاء عبد الله بن مسع