للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر غزوة بدر في محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم وغزو المدينة]

الأثر السادس: هو أن الأزمة الضخمة التي مرت بها قريش من أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية دفعتها إلى التفكير في غزو المدينة المنورة، بل دفعتها إلى محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وظهرت أكثر من محاولة منها: واحدة كانت لـ عمير بن وهب الجمحي، أسر ابنه في غزوة بدر، فأراد أن يرجع ابنه، وفي نفس الوقت كان يكن في قلبه حقداً كبيراً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذات يوم جلس مع صفوان بن أمية في الحجر يتذاكران سوياً أمر بدر، وكان صفوان بن أمية قد قتل أبوه وأخوه في بدر، فقال صفوان: (والله إن في العيش بعدهم خير، فقال له عمير: صدقت والله، أما والله لولا دين علي ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي قبلهم علة ابني أسير في أيديهم).

إن عمير بن وهب سيدخل المدينة المنورة بسهولة؛ لأن لديه أسيراً هناك يريد أن يفتديه، فإذا دخل قتل الرسول عليه الصلاة والسلام، فاغتنم صفوان الفرصة وقال: (علي دينك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا) وهكذا دفعه دفعة شيطانية إلى الذهاب لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، (فقال عمير: فاكتم عني شأني وشأنك.

قال: أفعل).

فقام عمير وأخذ سيفه وأحده جيداً وسمه، وبالفعل أخذ نفسه وانطلق إلى المدينة المنورة، ومر على مجموعة من الصحابة رضي الله عنهم يتحدثون في أمر بدر، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد اشتهر عن عمر بفراسته الشديدة فقال: (هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر) ودخل بسرعة على الرسول عليه الصلاة والسلام وقال له: (يا نبي الله! هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحاً سيفه، وقال صلى الله عليه وسلم: فأدخله علي، قال: فلببه بحمالة سيفه) يعني: أمسك بالسيف ووضعه على رقبته وأدخله على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يكتف عمر بن الخطاب بذلك، بل قال لرجال من الأنصار: (ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون، ثم دخل به).

رأى الرسول عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب ممسكاً بـ عمير بن وهب، فقال له: (أرسله يا عمر! ادن يا عمير! فدنا وقال: أنعموا صباحاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير! ثم قال: ما جاء بك يا عمير؟! قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه، فقال صلى الله عليه وسلم: فما بالك السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً؟ قال صلى الله عليه وسلم: أصدقني ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت: لولا دين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمل صفوان دينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائل بينك وبين ذلك، فلم يجد عمير إلا شيئاً واحداً، قال: أشهد أنك رسول الله! قد كنا يا رسول الله والله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المكان) سبحان الله! أتى من أجل أن يقتل الرسول عليه الصلاة والسلام فكانت النتيجة أن دخل في الإسلام، وأصبح من أعظم صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم.

(ثم تشهد عمير بن وهب شهادة الحق -شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله- فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: فقهوا أخاكم في دينه، وأقرءوه القرآن، وأطلقوا له أسيره).

وظل صفوان في مكة المكرمة ينتظر خبر قتل الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان يقول لأهل مكة: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر، وكان يسأل كل من قدم إلى مكة عن عمير بن وهب حتى أخبره آتٍ من المدينة أنه أسلم، فحلف صفوان ألا يكلمه أبداً.

واستمر فعلاً مخاصماً إلى فتح مكة، لكن سنذكر أمراً إيجابياً لـ عمير بن وهب رضي الله عنه وأرضاه، فمع قلة ما تعلمه بعد إسلامه إلا أنه قال: (يا رسول الله! إني كنت جاهزاً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام؛ لعل الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم