للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنه]

يقول عبد الله بن عمرو بن حرام قبل موقعة أُحد: رأيت في النوم مبشر بن عبد المنذر رضي الله عنه من شهداء بدر، يقول: أنت قادم علينا بعد أيام، فقلت: وأين أنت؟ قال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت له: ألم تقتل يوم بدر؟ قال: بلى، ثم أحييت، فذهب عبد الله بن عمرو بن حرام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره برؤياه، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله هذه الشهادة).

واشتاق عبد الله بن عمرو بن حرام اشتياقاً حقيقياً للشهادة، وخرج في غزوة أحد وهو بهذه النية والعزيمة على أن يموت في سبيل الله، ولما رأى عبد الله بن أبي ينسحب بجيشه ذهب إليه ونصحه بالعودة، لكن عبد الله بن أبي أصر على الهروب من أرض المعركة، فلعنه عبد الله بن عمرو بن حرام وقال: تباً لك أبعدك الله! سيغني الله عز وجل عنك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.

وأكمل المعركة بهذه الحمية، وقاتل قتالاً شديداً حتى قيل: إنه أول من قتل يوم أحد رضي الله عنه وأرضاه، وكان عنده بنات كثيرات وديون.

وبعد استشهاده جاء ابنه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام رضي الله عنهما وأرضاهما أجمعين حزيناً لفقد والده مهموماً، فأخذ يكشف الغطاء عن وجه أبيه ثم يغطي، وكرر ذلك عدة مرات، وكان الصحابة رضي الله عنهم ينهونه، والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينهاه؛ لأنه كان يقدر الموقف الذي هو فيه، فلما رأى جابراً منكسراً هذا الانكسار الكبير، يقول جابر: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر! ألا أخبرك بما لقي الله عز وجل به أباك؟ قلت: بلى، قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحاً، فقال: يا عبد الله تمنَّ علي أعطك، قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية)، يتمنى نفس أمنية الرسول عليه الصلاة والسلام (لوددت أن أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا)، قال: (يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال: إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب! فأبلغ من ورائي)، سبحان الله! حتى بعد موته حريص على الناس، وحريص على أهله والأنصار، وحريص على المهاجرين وعلى كل المسلمين، قال: (فأبلغ من روائي -أي: بيّن للمسلمين قيمة الشهادة وكرامة الشهيد- فأنزل الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٦٩ - ١٧١]).

روى هذا الحديث الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم، وهو صحيح.

انظر إلى قيمة الشهيد، صار في حوار وخطاب مع رب العالمين سبحانه وتعالى بمجرد الشهادة.