للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمات بين يدي غزوة الأحزاب]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فمع الدرس الرابع عشر من دروس السيرة النبوية للعهد المدني.

في الدرس السابق تحدثنا عن الأحداث التي كانت بعد غزوة أحد، فإن الفترة التي أعقبت غزوة أحد كانت فترة عصيبة جداً على الدولة الإسلامية، اهتزت هيبة الدولة الإسلامية بصورة جعلت الكثير من الأعداء يطمعون فيها سواء من داخل المدينة أو من خارجها، وتحدثنا عن الأزمات الخمس التي مرت بالأمة الإسلامية في الشهور الستة الأولى بعد أحد، وانتهت الأزمة الخامسة منها بمواجهة مع يهود بني النضير، وبفضل الله انتصر المسلمون بالرعب الذي ألقاه الله عز وجل في قلوب اليهود، ونزلوا على أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجوا من المدينة إلى خيبر، وبخروج اليهود في ربيع أول سنة ٤ هـ دخل المسلمون في مرحلة أخرى، استعادوا فيها كثيراً من هيبتهم، وكانت السنة التي تلت خروج يهود بني النضير سنة طيبة جداً من سنوات الدعوة، سكن فيها المنافقون، وانتشرت فيها سرايا المسلمين في مناطق مختلفة من الجزيرة العربية، بل وأخلفت قريش موعدها مع المسلمين في شعبان سنة (٤ هـ) فيما عُرف في التاريخ بغزوة بدر الصغرى، وهدأ يهود بني قريظة وأقروا بالعهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وذكرنا أيضاً في الدرس السابق أنه نتيجة استقرار أوضاع المسلمين، وتحرك القلق في قلوب جميع أعداء الأمة من يهود ومشركين ومنافقين، وبدءوا يفكرون في شيء يمنعون فيه الدولة الإسلامية من إكمال المسيرة، وتولى كبر التدبير لهذا الأمر فرقة من يهود خيبر ويهود بني النضير، وكونوا وفداً من حوالي (٢١) رجلاً، وتحرك هذا الوفد إلى الجزيرة العربية هنا وهناك؛ ليجمع الجموع لحرب المسلمين، واستطاعوا أن يحمسوا قريشاً على أن تخرج في (٤٠٠٠) مقاتل، واشتروا غطفان وبني سليم بالمال على أن يخرجوا في (٦٠٠٠) مقاتل، وتحركت هذه الجموع الضخمة (١٠٠٠٠) مقاتل صوب المدينة المنورة، وكان الهدف استئصال المسلمين تماماً، ليس الغرض الانتصار في موقعة عابرة، ولكن الهدف هو إنهاء الوجود الإسلامي في الأرض بالمرة، ووصل النبأ المرعب إلى المدينة المنورة.

أما المنافقون فقد ظهر نفاق معظمهم، وقالوا: لا طاقة لنا أبداً بحربهم، وظهرت عليهم علامات الرعب والهلع، وهؤلاء المنافقون لم يكتفوا بالهلع والقعود، بل حاولوا أن يمنعوا الآخرين من الحرب بحجة أنها حرب لا طائل من ورائها، قال الله عز وجل: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب:١٨ - ١٩] هذا كان رد فعل المنافقين.

أما المؤمنون الصادقون فإنهم ومع عظم الخبر إلا أنهم وجدوا فيه بشرى، والبشرى هي أن الله عز وجل وعد المسلمين بالنصر على أعدائهم إن هم تجمعوا لهم، ووعدهم بالنصر إن وصلت الأزمة إلى الذروة، أين هذا الوعد؟ يقول ابن عباس رضي الله عنهما: هذا الوعد في قوله تعالى في سورة البقرة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:٢١٤] المسلمون الآن يقتربون من مرحلة الزلزال، إذاً: النصر أيضاً يقترب.