للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم للسرايا بعد غزوة ذات الرقاع]

كانت غزوة ذات الرقاع غزوة بلا قتال، لكنها غيّرت كثيراً في أوساط قبائل غطفان، وعدّلت كثيراً من سلوكهم، وهذا سوف يفسّر لنا أحداثاً كثيرة ستأتي بعد هذا.

لم يكتف الرسول عليه الصلاة والسلام بعد غزوة غطفان بهذا الإنذار القوي الموجه لها، لكن أرسل بعد غزوة ذات الرقاع ست سرايا متتالية كلها في العام السابع من الهجرة، أرسل هذه السرايا إلى عدة مناطق مهمة في الجزيرة العربية، وهي: منطقة كديد، ومنطقة تربة، ومنطقة بني مرة، ومنطقة ميفعة، ومنطقة يمن، ومنطقة الغابة، ست مناطق، والقاسم المشترك بين كل هذه المناطق أنها كلها أرض لغطفان.

إذاً: هناك تركيز واضح على قبيلة غطفان في العام السابع الهجري، وواضح أن الرسول عليه الصلاة والسلام يسير بخطة محكمة، ليست هناك عشوائية أبداً في الأداء، فالرسول عليه الصلاة والسلام بعد صلح الحديبية وتحييد جانب قريش وجه كامل الطاقة لردع بقية الأحزاب، ولصد بقية أعداء الأمة، ولهذا رأينا الحرب ضد اليهود والحرب ضد غطفان، فالأمور في غاية الترتيب، ونجح الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الحملات المتكررة في ردع اليهود وغطفان تماماً، وبذلك أصبحت القوة الإسلامية في أواخر العام السابع الهجري هي القوة الأولى في الجزيرة العربية، ومع نجاح هذا الجانب العسكري للدولة الإسلامية إلا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يترك مهمته الأولى كرسول وهي مهمة البلاغ ونشر الدعوة إلى الله عز وجل في كل مكان في الجزيرة العربية، بل خرج خارج الجزيرة العربية كما ذكرنا، ودعا إلى الإسلام صراحة وبقوة وعزة حتى وصل الإسلام إلى معظم ممالك العالم في ذلك الوقت.

إذاً: كملخص للعام السابع الهجري: نجد أنه كان عاماً جهادياً ودعوياً، بدأ فيه المسلمون في جني ثمرات صلح الحديبية، وصلت في هذا العام دعوة الإسلام إلى كل مكان، وانتصر المسلمون فيه انتصاراً باهراً على اليهود في خيبر ووادي القرى وفدك وتيماء، وانكمشت غطفان وتضاءلت جداً، وعرفت أن قوة المسلمين أعلى بكثير من قوتها، حتى وإن كان عدد المسلمين قليلاً، وزاد عدد المسلمين بشكل ملحوظ بعد قدوم المسلمين من كل مكان، فقد جاء مهاجرو الحبشة وجاء الأشعريون والدوسيون وغيرهم، بل وأسلم الكثير والكثير في العام السابع الهجري، وكان عاماً حافلاً بالدعوة والجهاد، وتوج هذا العام في آخره بتحقيق شيء فرح المسلمون به كثيراً، وهو دخول مكة المكرمة لأداء العمرة؛ لأن من بنود صلح الحديبية أن المسلمين يرجعون دون دخول مكة للعمرة في العام السادس الهجري، على أن يأتي المسلمون بعد عام، أي: في نهاية العام السابع الهجري ليدخلوا مكة معتمرين، ليس معهم إلا سلاح المسافر، ويخرج أهل مكة من مكة تماماً، ويتركون البلد الحرام للمسلمين مدة ثلاثة أيام متواصلة، وبالفعل مرت السنة كما رأينا وجاء شهر ذي القعدة من العام السابع الهجري، وأُعلن في المدينة المنورة عن العمرة العظيمة، وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام ألا يتخلف عنها أحد شهد الحديبية، وستبدأ تفصيلات هامة لهذه العمرة المباركة، وفي الحقيقة تحتاج منا إلى وقفة مهمة جداً.