للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من قبيلة قضاعة التي اعتدت على أصحابه رضي الله عنهم]

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فمع الدرس التاسع من دروس السيرة النبوية: العهد المدني، فترة الفتح والتمكين.

حديثنا اليوم عن حدث من أعظم الأحداث في تاريخ الأرض مطلقاً، وهذا الحدث يعتبر لحظة فارقة فرق بين مرحلة ومرحلة أخرى مختلفة تماماً عن المرحلة التي سبقت، وله تداعيات كبيرة جداً، ليس فقط في الجزيرة العربية ولكن في العالم، وليس فقط في زمانه ولكن إلى زماننا الآن.

هذا الحدث العظيم الكبير: هو فتح مكة.

ولا شك أن هناك أحداثاً كثيرة جداً قادت إلى هذا الفتح العظيم، ومقدمات طويلة، وستكون -إن شاء الله- هذه المقدمات هي موضوع درس اليوم.

لكن قبل أن نبدأ في هذه التفصيلات نريد أن نكمل نقطة هامة تحدثنا عنها في الدرس السابق ولم نتناولها بالشرح والتفصيل.

هذه النقطة: هي أنه في بداية العام الثامن من الهجرة حدثت مشكلتان كبيرتان للأمة الإسلامية: المشكلة الأولى: هي قتل الحارث بن عمير الأزدي رضي الله عنه وأرضاه سفير رسول الله صلى الله عليه وسلم لعظيم بصرى، والذي قتله شرحبيل بن عمرو الغساني.

وهذه المشكلة كان من جرائها أن أخرج صلى الله عليه وسلم جيشاً كبيراً، وهو الجيش الذي دخل في معركة مؤتة بقيادة الأمراء الثلاثة: زيد وجعفر وعبد الله بن رواحة كما فصّلنا في الدرس السابق، وكان من ورائه النصر العظيم الذي تم في موقعة مؤتة، وبذلك تقريباً انتهت مشكلة قتل الحارث بن عمير، واستعادت الأمة الإسلامية هيبتها إلى حد كبير، ذاع صيتها ليس فقط في أرض مؤتة ولكن في الجزيرة بكاملها.

المشكلة الثانية: حدثت هذه المشكلة في وقت متزامن مع مقتل الحارث بن عمير رضي الله عنه وأرضاه، وهي مشكلة اعتداء قبائل قضاعة على مجموعة من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا (١٥) رجلاً من الصحابة، وقتلوا منهم (١٤) رجلاً، وعاد رجل واحد منهم إلى المدينة المنورة وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بتفاصيل الخيانة التي قامت بها قضاعة مع صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، فكان لا بد للرسول صلى الله عليه وسلم أن يقف وقفة جادة مع قبيلة قضاعة؛ لكي لا تهتز صورة الدولة الإسلامية في الجزيرة العربية.

وبالفعل قرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث جيشاً كبيراً إلى مناطق قضاعة، وكان هذا بمجرد عودة الجيش الإسلامي من مؤتة إلى المدينة المنورة، ومؤتة وقعت في جمادى الأولى سنة (٨) هـ والرسول عليه الصلاة والسلام في جمادى الآخرة سنة (٨) هـ بعث الجيش الثاني إلى قبائل قضاعة.

والمنطقة التي تعيش فيها قضاعة كان اسمها السلاسل، وهي عبارة عن ماء أو عين أو بئر اسمه السلاسل، وسميت المنطقة بكاملها بذات السلاسل، فعرفت هذه الغزوة في التاريخ بغزوة ذات السلاسل.