للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رفع المسلمين للظلم عن المظلومين واجب أخلاقي وقانوني وسياسي]

خامساً: هناك واجب أخلاقي وقانوني وسياسي على المسلمين أن يقوموا بفتح مكة؛ وذلك لرفع الظلم عن المظلومين، فخزاعة ظُلمت ولا يجب أن تُترك هكذا دون مساعدة، ثم إن هذا الواجب ليس أخلاقياً فقط، بل هو واجب شرعي وقانوني، أي: أنه فرض على المسلمين أن يساعدوا خزاعة؛ لأن هذا التزام إسلامي مؤكد في صلح الحديبية، فكيف يتخلى عنه المسلمون، المسلمون؟ ليس لهم اختيار في ذلك الأمر، ما داموا قد عاهدوا على شيء عليهم أن يفوا بعهودهم، والمعاهدة مع خزاعة على أن ينصروهم إذا انتُهكت حرماتهم، وقد انتُهكت وفي داخل الحرم، فلم لا يتحرك المسلمون؟ لا بد أن يتحركوا؛ لأن المعاهدة تقول: إن الاعتداء على خزاعة هو اعتداء على المسلمين، حتى وإن كانت خزاعة مشركة.

إذاً: هناك واجب شرعي قانوني على المسلمين أن يجتهدوا في رد الحق إلى أصحابه، في رد الحق إلى خزاعة، وفي رفع الظلم عنهم.

وفي نفس الوقت هذا واجب سياسي هام جداً؛ لأن كرامة الدولة الإسلامية انتهكت أيضاً؛ ولأن هؤلاء الذين قُتلوا حلفاء المسلمين وإن كانوا مشركين، فلا بد لحفظ كرامة الدولة الإسلامية أن تكون الوقفة مناسبة، والرسول عليه الصلاة والسلام رأى أن هذه الوقفة يجب أن تكون فتح مكة.

وهنا تضافرت أمور كثيرة جداً تفيد أن الوضع مناسب جداً لفتح مكة.

وعندما نعيد هذه الأوراق ونحلل الموقف سنجد الآتي: أولاً: الوضع العسكري والسياسي للدولة الإسلامية ممتاز ويتقدم.

ثانياً: الوضع العسكري والسياسي للدولة الكافرة في مكة ضعيف ويتأخر.

ثالثاً: الأعداء الآخرون للدولة الإسلامية استكانوا اليهود وغطفان وغيرهم.

رابعاً: الوضع القانوني إذا أراد المسلمون فتح مكة سليم تماماً.

خامساً: هناك واجب أخلاقي وشرعي وسياسي على المسلمين لصالح خزاعة لا بد من القيام به.

هذا هو الواقع الذي حلله الرسول عليه الصلاة والسلام في لحظة واحدة، فقال: (نصرت يا عمرو بن سالم) وبدأ التجهيز لفتح مكة المكرمة.

إذاً أخذ قرار فتح مكة المكرمة في هذه الظروف سيكون قراراً حكيماً يحقق عدة مصالح دعوية وسياسية وعسكرية وأخلاقية، وغير ذلك، لكن هذا ليس قراراً سهلاً، بل هو من أصعب القرارات؛ لأن مكة ليست كأي بلد، مكة هي عقر دار قريش ولها تاريخ طويل، وقريش ليست بالقبيلة السهلة، هي أعز قبيلة في العرب، والعرب جميعاً يوقّرونها، وقد يغير الكثير من الناس مواقفهم إذا هُددت قريش في عُقر دارها، وبالذات أن عقر دار قريش هو البلد الحرام مكة، وله مكانة هائلة في قلوب جميع العرب.

لقد كان القرار جريئاً جداً وقد تكون له تبعات هائلة، وفي نفس الوقت كثرة التفكير والتروي أكثر من اللازم قد تضيع الفرصة، لا بد أن نأخذ قراراً حاسماً، والقرار قد اتخذ فعلاً وبحسم وبقوة، فقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتح مكة.