للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطة الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية لدخول مكة]

عند اقتراب الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة بدأ يضع الخطة العسكرية لدخول مكة، فقسّم جيشه إلى أربعة فرق: فرقة على رأسها خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهذه تدخل من جنوب مكة، وهي فرقة فرسان قوية جداً.

الفرقة الثانية: على رأسها الزبير بن العوام رضي الله عنه وتدخل من كداء شمال مكة المكرمة، وهي أيضاً فرقة فرسان.

وهاتان الفرقتان تحاصران مكة كأنها بين فكي كماشة.

الفرقة الثالثة: هي فرقة من الرجّالة المشاة بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.

أما الفرقة الرابعة: فهي فرقة الأنصار رضي الله عنهم وعلى رأسها سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه، وفي هذه الفرقة كان يسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام أمر الفرق الأربع بالالتقاء عند الصفا، كل فرقة تأتي من ناحية وتدخل مكة المكرمة ثم يلتقون جميعاً عند جبل الصفا بالقرب من البيت الحرام.

فمعظم الناس في مكة استمعوا لكلام أبي سفيان ودخلوا الأماكن الآمنة، إما أنهم دخلوا المسجد الحرام، أو دخلوا بيوتهم، أو دخلوا دار أبي سفيان، لكن بعض زعماء قريش غير أبي سفيان قرروا القيام بمحاولة يائسة للمقاومة لعلها تنجح مع جمع أوباش قريش، يعني: العبيد والفقراء وعوام الناس، فهؤلاء الزعماء يدفعون بهؤلاء الأوباش إلى قتال الجيش الإسلامي، وكان يرأس هؤلاء عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وهما من أشهر فرسان قريش، وكانت النتيجة في حسابات زعماء قريش أحد أمرين: إما نصر، وسيكون هذا النصر للسادة، وإما هزيمة فعندها سيسلمون للرسول عليه الصلاة والسلام ما يريده، ولو كانت الهزيمة قاسية وفقد الجيش؛ لأن الجيش هم من الأوباش الذين لا قيمة لهم عندهم، وهكذا هي الجيوش العلمانية، النصر للسادة، والتضحية والبذل للعبيد، أقصى أحلام الجندي المنتصر في الجيوش العلمانية أن يعطى نيشاناً أو عدة عشرات أو مئات من الجنيهات، وعند الهزيمة يضحون بالآلاف والملايين، أما السادة في الجيوش العلمانية فيحتفلون بالنصر ولا يدفعون أثمان الهزائم، وهذا الكلام خلافاً للجيوش الإسلامية تماماً، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يقاتل مع جنوده كأحدهم تماماً، يعاني كما يعانون ويتعرض للخطر كما يتعرضون، والغنائم في حالة الفوز توزّع على جيش المنتصر، والهزيمة يشترك في دفع ثمنها الجميع.

وهذا الأمر يزرع الانتماء في قلوب الجميع بصورة تلقائية طبيعية، فهذا هو الوضع في الجيوش الإسلامية، لكن الوضع في مكة كان غير هذا، فقد كان الوضع في مكة عبارة عن قبول المعظم من الناس بدخول البيوت وتجنب القتال، إلا فرقة من العبيد والفقراء يقودهم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية، وكانت متمركزة عند منطقة تسمى الخندمة في جنوب مكة، وهذه الأخبار تصل الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن ثم أصدر الرسول عليه الصلاة والسلام عدة أوامر، أصدر ثلاثة أوامر رئيسية: الأمر الأول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم، فليس الغرض من الفتح هو الانتقام من أهل مكة، رغم كل التاريخ الأسود لكفارها، لكن الغرض هو حكم هذه البلدة الطيبة بالإسلام، وتعليم الناس دين رب العالمين سبحانه وتعالى، وهذا حكم عام ينطبق على كل الحروب الإسلامية، ورأيناه في جميع الفتوحات الإسلامية.

الأمر الثاني: إذا لقيتم أوباش قريش الذين يقاتلون فاحصدوهم حصداً.

في مقابل الرحمة في الأمر الأول هناك الحزم والقوة في الأمر الثاني، فلا بد أن يرى أهل الباطل قوة المسلمين وبأسهم، وعندها ستلين قناتهم، وسيسلس قيادهم، وهذا أحفظ لدمائهم ودماء المسلمين.

الأمر الثالث: إهدار دم مجموعة من كفار مكة، وهذه المجموعة ارتكبت جرائم شنيعة في حق الدولة الإسلامية، وهي جرائم لا تغتفر، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشهور بالرحمة والمعروف بالرفق واللين يقول في حقهم: (اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة) وكانوا بضعة عشر رجلاً وامرأة، وكانت هذه دلالة واضحة جداً على جدية الدولة الإسلامية، وعدم قبول الدولة الإسلامية بأي حال من الأحوال أن يسخر أحد منها أو من رموزها، وخاصة أن معظم هؤلاء الذين أُهدر دمهم كانت جريمتهم هي سب الرسول صلى الله عليه وسلم والسخرية منه، والتعريض به والتهكم عليه، ولا يخفى على أحد أن الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كالطعن في أي قائد؛ لأنه ليس مجرد زعيم للدولة الإسلامية، بل هو ناقل عن رب العزة، ورسول من رب العالمين سبحانه وتعالى، فالطعن فيه طعن في دين وشرع وقانون وكيان الدولة الإسلامية، وهو ما لا يجب أن ينسى بسهولة؛ ولهذا كان الأمر الصارم: (اقتلوهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة)، وبعضهم قتل فعلاً وبعضهم تاب، وعاد إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأعلن التوبة الصريحة بين يديه وقبل منه الرسول صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فقد كانت هذه هي أوامر الرسول ع