للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استعداد الرسول صلى الله عليه وسلم لمواجهة قبائل هوازن]

بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام في إعداد العدة لهذا الموقف الخطير، وكان إعداده على أعلى مستوى؛ فقد كان على النحو التالي: أولاً: قرر الخروج للقتال في مكان متوسط بين هوازن ومكة، وآثر ألا ينتظر بمكة، وهذا فيه حكمة كبيرة جداً؛ لأنه لو بقي في مكة وغزاها مالك بن عوف بجيشه فقد يتعاون أهل مكة معه؛ لأن أهل مكة حديثو عهد بشرك وجاهلية فقد يتعاونون مع المشركين من هوازن لحرب المسلمين فتصير كارثة، قد تصير الحرب من داخل ومن خارج، لذلك فضل الرسول عليه الصلاة والسلام أن يخرج بجيشه إلى مكان مكشوف بعيداً عن مكة.

ثانياً: قرر أن يخرج بكامل طاقته العسكرية، سيأخذ معه العشرة آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة المكرمة، لأن أعداد هوازن ضخم وكبير.

ثالثاً: أخذ معه من داخل مكة المكرمة المسلمين الطلقاء الذين أسلموا عند الفتح.

وهذا فيه بعد نظر كبير من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهؤلاء إن تركوا في مكة قد ينقلبون إلى الكفر مرة ثانية، وقد ينفصلون بمكة عن الدولة الإسلامية، وخاصة لو تعرض المسلمون لهزيمة من هوازن؛ وأيضاً خروجهم مع المسلمين فيه دلالة على أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقربهم ويثق بهم، وهذا سيثبت أقدامهم أكثر في الإسلام، وأيضاً قد تكون هناك غنائم كثيرة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه كان يقول: (تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله) فلو وزع عليهم هذه الغنائم لكان في ذلك تأليف لقلوبهم، وأضف إلى كل ذلك أن أعدادهم الكبيرة ستوقع الرهبة في قلوب هوازن، ولا شك أن قريشاً لها مكانة في قلوب العرب، فعندما يخرج منها عدد في داخل هذا الجيش فقد يوقع الرهبة في قلوب هوازن، فيكون النصر حليفاً للمسلمين، فالرسول عليه الصلاة والسلام لأجل ذلك كله أخذ معه من مكة (٢٠٠٠) من الطلقاء وأصبح الجيش الإسلامي (١٢.

٠٠٠) مقاتل.

وهذا أكبر عدد في تاريخ المسلمين في ذلك الوقت.

رابعاً: لم يكتف الرسول عليه الصلاة والسلام بسلاح الجيش الإسلامي الذي فتح به مكة المكرمة، مع كون هذا السلاح من الأسلحة الجيدة جداً والقوية جداً، بدليل انبهار أبي سفيان عند رؤيته للجيش الإسلامي، ومع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكتف بهذا السلاح ولا بسلاح المسلمين من الطلقاء، وإنما سعى لعقد صفقة عسكرية كبرى لتدعيم الجيش الإسلامي، فذهب بنفسه إلى تجار السلاح في مكة المكرمة، وكان على رأس هؤلاء التجار صفوان بن أمية ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وهذان الاثنان لا زالا مشركين.

فطلب منهما السلاح على سبيل الاستعارة بالإيجار والضمان، حتى إن صفوان بن أمية سأل الرسول عليه الصلاة والسلام: (أغصباً يا محمد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بل عارية مضمونة) يعني: أنا أستعيرها بالإيجار وأضمن عند ضياع بعضها أن أعوضك عنها، هذا مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الزعيم المنتصر، وصفوان بن أمية هو أحد القادة المهزومين، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام كان عادلاً في كل أموره، لم يكن يستحل مال عدو بأي صورة من الصور، وصفوان كان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لمدة أربعة شهور يفكر فيها في أمر الإسلام كما فصلنا قبل ذلك.

الشاهد من القصة: أن إعداد الجيش الإسلامي كان على أفضل الصور الممكنة، ومن الجدير بالذكر أن نشير إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام اصطحب معه في هذه الغزوة بعض المشركين، وكان منهم صفوان بن أمية وكان منهم نوفل بن الحارث تجار السلاح في مكة المكرمة فخرج هؤلاء ليحملوا أسلحتهم للمسلمين.

قد يسأل شخص ويقول: لماذا قبل صلى الله عليه وسلم أن يستعين في هذه المعركة بالمشركين ورفض أن يستعين بهم في بدر قبل ذلك، ففي بدر قال لهم: (لا أستعين بمشرك)؟

الجواب

أن الظرف مختلف، فالنصر ببدر قد ينسب إلى المشركين لقلة أعداد المسلمين وعدم استقرار دولة المسلمين، أما الآن فلن يدعي أحد أبداً أن نصر المسلمين وعددهم (١٢.

٠٠٠) مقاتل كان بسبب الأفراد المشركين المعدودين في الجيش الإسلامي، فمن أجل هذا لم ير الرسول عليه الصلاة والسلام مشكلة أن يأخذ معه بعض المشركين، وهؤلاء المشركون لن يأخذوا من الغنيمة، ولكن سيعطيهم صلى الله عليه وسلم أجراً على عملهم هذا بالاتفاق.

خامساً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام اهتم جداً بالحراسة الليلية للجيش الإسلامي؛ لئلا يباغت فجأة، فوضع على الحراسة أنس بن أبي مرثد رضي الله عنه.

سادساً: اهتم الرسول عليه الصلاة والسلام اهتماماً كبيراً جداً بالحالة المعنوية للجيش الإسلامي، فقد بشرهم أن جيوش هوازن ستصبح غنيمة للمسلمين إن شاء الله، ولا ننسى أن المسلمين دخلوا موقعة حنين ومعنوياتهم مرتفعة جداً؛ لأنهم حققوا انتصاراً مهيباً منذ أيام عندما فتحوا مكة المكرمة أعظم المدن وأشرف الأماكن.

إذاً: يتبين مما سبق أن إعداد المسلمين لمعركة حنين كان إعد