للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف الطلقاء من هزيمة المسلمين في أول غزوة حنين]

ماذا كان موقف الطلقاء في هذا الموقف الصعب؟ تباينت مواقف الطلقاء، منهم من صرح بكفره بعد أن كان ظاهره مسلماً مثل: كلدة بن حنبل، لكن بعد ذلك أسلم وله صحبة، فهذا الرجل قال في ذلك الوقت: ألا بطل السحر اليوم.

يعني: يتهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالسحر مع أنه خارج مع المسلمين على أنه مسلم.

ومنهم من لم يكتف بالكفر بل حاول قتل الرسول عليه الصلاة والسلام مثل: شيبة بن عثمان وأيضاً هذا أسلم وحسن إسلامه.

ومنهم من أظهر الشماتة دون أن يظهر الكفر كـ أبي سفيان زعيم مكة قال: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر.

فقد كان مسروراً بهزيمة المسلمين، فهو لم يثبت على الإسلام، لكن الحمد لله حسن إسلامه بعد ذلك ومنهم من تردد في الأمر فلم يدر أين الحقيقة مثل سهيل بن عمرو.

ومن الطلقاء الذين لم يكمل إسلامهم أسبوعين ثلاثة من ثبت على الإسلام ولم يتردد لحظة مثل: عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه.

ومما يدل على الفهم الراقي الذي كان عند عكرمة رضي الله عنه وفهمه للإسلام وللنصر وللهزيمة أنه حدث لطيف جداً دار بينه وبين سهيل بن عمرو في أثناء فرار المسلمين يوم حنين، قال عكرمة عندما رأى المسلمين يفرون، قال: هذا بيد الله ليس إلى محمد صلى الله عليه وسلم منه شيء.

يعني: ليس هو السبب، أي: أن النصر والهزيمة بيد الله عز وجل، وليس معناه عدم صدق محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم قال كلمة جميلة جداً لا يقولها إلا من عاش سنوات وسنوات في الإسلام قال: إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غداً.

يعني: لو هزم اليوم فلا شك أن النصر سيكون حليفه غداً أو مستقبلاً، أوهذا مثل قول الله سبحانه وتعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:١٢٨].

فـ عكرمة رضي الله عنه لم يسلم إلا منذ أسبوعين أو ثلاثة، وهذا اليقين منه أدهش سهيل بن عمرو قال: والله إن عهدك بخلافه لحديث.

يعني: أنت لا تزال من أسبوعين أو ثلاثة كنت تعبد هبل فكيف توقن هذا اليقين؟ قال عكرمة: يا أبا يزيد! إنا كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة، نعبد حجراً لا يضر ولا ينفع.

إذاً: تباينت مواقف الناس، فالغالب الأعم من الناس فر من أرض المعركة والقليل هم الذين ثبتوا.

ومعركة حنين في تقييمي كانت شديدة الشبه بمعركة أحد، فكلاهما كان مصيبة، وكلاهما كان لمرض قلبي، ففي أحد المرض القلبي كان حب الدنيا، وفي حنين المرض القلبي كان العجب، لكن الفارق بين أحد وحنين أن أحداث الموقعتين تمت بصورة معكوسة، ففي أحد بدأت المعركة بنصر للمسلمين ثم حدثت المصيبة، وفي حنين بدأت المعركة بمصيبة للمسلمين ثم تم النصر لهم.