للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فقه اختيار المدعوين في المرحلة السرية]

كان الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون في السنوات الثلاث الأولى لا يتحدثون بالإسلام إلا سراً لرجال معينين يختارون لهذا، لكن كيف كان يتم هذا الاختيار؟ ما السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أبا بكر يذهب لدعوة عثمان بن عفان ولم يذهب إلى الوليد بن المغيرة أو لـ أبي جهل أو أمية بن خلف؟ من الواضح أن هناك قواعد دقيقة لهذا؛ لأننا لم نسمع أن اختيارهم كان خطأ، بل كل الذين اختاروهم وأسروا إليهم بالإسلام قبلوه.

وهذا شيء مهم: أنك تعرف من الذي لو عرضت عليه أمر الدين قَبِلَه في الغالب، بهذا ستوفر مجهوداً كبيراً، وفي نفس الوقت ستنجح، وتبني لك قاعدة قوية.

بالنظر إلى السابقين إلى الإسلام نستطيع أن نخرج بقواعد مهمة، وسبق أن ذكرنا قاعدة في دعوة المدعوين، وهي الحب أولاً، لكن هناك قاعدتان في غاية الأهمية أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملهما في اختيار الناس: القاعدة الأولى: الحكمة النبوية العظيمة، (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا).

الاختيار كان يقع غالباً على أصحاب الأخلاق الحسنة والأخلاق الحميدة، الذين يعظّمون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة والعدل ومكارم الأخلاق، هناك كثير من الناس غير ملتزم بالإسلام، لكنه يحب الأخلاق الطيبة، هؤلاء لو التزموا بالدين سيكونون خير سند للدعوة، وبهؤلاء بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

القاعدة الثانية: التركيز على الشباب، نعم الدعوة موجهة لكل الأعمار، لكن التركيز على الشباب في الفترة الأولى كان واضحاً، لأسباب: أولاً: أن الشباب لم يَطُل عليهم الأمد في الاستمرار على تقاليد معينة، ولم يعتادوا على عبادة الأصنام لسنوات طويلة، ولم يتمسكوا بالدفاع عنها، فأنت عندما تذهب للكلام مع غير الشباب، وتقول له: أنت لك (٤٠) سنة أو (٥٠) سنة تدافع عن قضية باطلة، كيف يمكن له أن يؤمن بكلامك؟ صعب، لكن الشباب أيسر بكثير، لم تتلوث عقولهم بأفكار خاطئة، ومن ثم يستطيعون تقبل الفكرة الإسلامية بسهولة.

ثانياً: أن الشباب بصفة عامة مولعون بالجديد، لذلك تجد أكثر المقلدين للموضات هم الشباب مهما كانت، حتى لو كانت لا تتوافق مع هواهم، لكن المهم أنها شيء جديد.

ثالثاً: أن الله سبحانه وتعالى أعطى الشباب حماسة عالية، وحمية ونشاطاً، لا يعترفون بالصعب، بل تستطيع أن تقول: لا يعترفون بالمستحيل، وحمل الإسلام صعب وشاق يحتاج إلى عزيمة الشباب، وليس معنى هذا أن الشيوخ ليس لهم مكان في حمل دعوة الإسلام، لكن فرصة إيمان الشباب وفرصة حركة الشباب للدعوة بعد الإيمان، وفرصة ثبات الشباب على الحق وتحديه للصعاب والمشاكل أكبر من فرصة الشيوخ، ومن المؤكد أيضاً أن الدعوة تحتاج إلى الشيوخ وحكمتهم بجانب حماسة الشباب.

كل هذا الكلام جعل التركيز الأول على الشباب ذي الأخلاق الطيبة والحسنة، فهؤلاء هم الذين يمكنهم أن يتحملوا الدعوة، سواء في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في الأزمان اللاحقة، أو في زماننا هذا وإلى يوم القيامة.

هذه سنة من سنن الله عز وجل في التغيير.