للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مرجح خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى تبوك]

تجمعت هذه الجيوش في منطقة البلقاء -وهي الأردن الآن- يريدون دولة الإسلام.

كل السيناريو الذي نتكلم عليه الآن، وكل التفكير الذي كان في ذهن الرومانيين وغيرهم كان يتوقعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يخبر به أصحابه رضوان الله عليهم، وكان يعد العدة لذلك، ودليل ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما آلى من نسائه جاء أحد الصحابة وطرق الباب بشدة على عمر بن الخطاب فخرج وهو مفزوع، قال: أجاءت غسان؟! فكان عمر بن الخطاب يتوقع قدوم غسان لغزو المدينة المنورة، وهذا أمر ممكن وقريب الحدوث، ولا شك أن الرسول عليه والسلام كان يجهز الناس لهذا الاحتمال، من أجل ذلك كان أصحاب المدينة المنورة يتوقعون حرباً قوية مع الدولة الرومانية في الفترة القادمة.

ومن أجل ذلك أيضاً كانت العيون الإسلامية تراقب بدقة منطقة شمال الجزيرة العربية، ومنطقة الأردن والشام، وبمجرد أن حدث هذا التجمع على بعد مئات الكيلو مترات من المدينة المنورة عرفه صلى الله عليه وسلم، وبدأ يأخذ القرار في ضوء هذه المعرفة المبكرة.

كان عنده اختيار من اثنين: إما أنه ينتظر الرومان في المدينة المنورة، وإما أن يذهب إليهم في شمال الجزيرة العربية، وانتظار الرومان في المدينة المنورة كان أسهل على المسلمين؛ لأنهم لو انتظروهم ما كانوا ليقطعوا تلك المسافة الضخمة في الصحراء، مع ما تتطلبه من تجهيز المؤن والزاد الذي يكفي مسافة مئات الكيلو مترات، ومن المحتمل أن يهلك الجيش الروماني في الصحراء؛ لأنه غير معتاد على قتال الصحراء؛ فهو يعيش طوال عمره في أماكن خضراء في أوروبا والشام، وفي غيرها من المناطق الباردة، ولم يعايش من قبل أي نوع من التجارب في داخل الصحراء، ومع ذلك قرر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج بجيشه من المدينة المنورة إلى الشام لأمور: أولاً: ليأخذ عنصر المبادأة، فيختار بنفسه مكان وزمان الحرب، بدل أن تفرض عليه.

ثانياً: حتى يكون عنده خط دفاع بعد ذلك، فلو أنه غزي في المدنية المنورة فإلى أين يذهب؟ فعقر دار المسلمين المدينة المنورة، ولو سقطت المدينة المنورة سقط الإسلام في الجزيرة العربية، وكلنا يعلم أن معظم العرب لم يدخلوا الإسلام إلا منذ قليل.

ثالثاً: ليظهر عزة الإسلام وقوته، وعدم جبنه أو رهبته من القتال، وهذا الثبات والإقدام له أثر ضخم كبير على نفوس الأعداء، سواء كانوا من الرومان أو الفرس أو غيرهم، عندما يجدون الجيوش الإسلامية لا تهاب الموت، وتأتي إلى بلادهم لتحاربهم في ظروف صعبة؛ فإن هذا -ولاشك- يلقي الرهبة في قلوبهم من المسلمين، والرسول عليه الصلاة والسلام نصر بالرعب مسيرة شهر صلى الله عليه وسلم.

رابعاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم له شعب في شمال الجزيرة العربية، والرسول عليه الصلاة والسلام كزعيم مسئول لا يترك شعبه هكذا دون حماية، ومعلوم أن شمال الجزيرة العربية بعد غزوة مؤتة كان قد دخله الإسلام، وجاءت القبائل تبايع على الإسلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يترك الشعب هكذا بدون حماية، لا يفعل مثلما يفعل كثير من الزعماء بتأمين حدود العاصمة فقط، وترك الشعب بعد ذلك يعاني ويلات العدو، ثم الفرار بعد ذلك من العاصمة إذا ما حوصرت، بل خرج صلى الله عليه وسلم بنفسه على رأس أعظم جيوشه فيه أقرب خاصته ليلقى أعتى قوة في العالم في ذلك الوقت؛ ليحفظ دماء شعبه صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا فقراء بسطاء يعيشون في أطراف الصحراء.