للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أبدية الحرب والصراع بين الكفر والإيمان في الحياة]

السمة السابعة: أن الحرب بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر حرب أبدية يستحيل أن تخلو منها فترة من فترات الحياة، فالحق من وظيفته أن يقاوم الباطل، وكذلك الباطل لن يرضى أبداً أن يبقى الحق في الأرض دون مقاومة، والرسول عليه الصلاة والسلام كان يدرك ذلك جيداً، وكان يجاهد الكفار بطرق مختلفة حسب المرحلة، فأحياناً يجاهد باللسان والقرآن، وأحياناً بالسلاح والسنان، قد تختلف الوسيلة ولكنه في كل الأحوال يجاهد صلى الله عليه وسلم، أحياناً يختلف العدو حسب المرحلة، لكن دائماً هناك عدو، تارة يكون الأعداء من قريش، وتارة من مشركي المدينة، وتارة من المنافقين، وتارة من الأعراب، وتارة من اليهود، وتارة من النصارى، وتارة من المجوس، يتنوع أعداء الأمة حسب المكان والزمان، لكن يغلب على صفة كل الحروب أنها حرب عقائدية تدور في محورها الرئيس حول قضية الدين، يدخل فيها أحياناً عوامل أخرى مثل الاقتصاد أو بعض الأمور الاجتماعية أو حب السلطة، لكن يظل العامل الرئيس في المعركة هو الدين، في هذا المعنى قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:٢١٧]، وهذا أمر رأيناه في كل مراحل السير، طالما أن المسلمين مستمسكون بدينهم ستظل الحرب دائرة بينهم وبين أعدائهم.

كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن هذا الصراع ليس صراعاً شخصياً معه صلى الله عليه وسلم، إنما هو صراع عقائدي سيستمر مع أصحابه وأتباعه إلى يوم القيامة، لذا كان من آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم إنفاذ بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما إلى حرب الرومان، وأوصى بإخراج المشركين من جزيرة العرب، وجعل الجهاد صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام، ولن يأتي زمان أبداً على الأرض يختفي فيه الشر وينتهي الباطل، أو يرضى فيه أهل الباطل عن أهل الحق فتكون حالة من الحوار فقط دون قتال.

وقد وعد الله عز وجل الشيطان بالبقاء إلى يوم يبعثون، وسيظل للشيطان محاولات ومحاولات لإضلال الخلق، ولن يقبل المؤمن الصادق بهذا الإفساد في الأرض، وستبقى أيضاً محاولات الإصلاح مستمرة إلى يوم القيامة، ومن ثم فالجهاد ماض إلى يوم القيامة.

هذا ما رأيناه في السيرة ورأيناه بعد ذلك بعد أحداث السيرة، ونراه في زماننا هذا، وسيبقى إلى يوم القيامة، سنة من سنن رب العالمين: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:٤٠].