للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سخاء الشافعي وجوده]

أما سخاؤه وجوده رحمه الله: فعن الحميدي قال: قدم الشافعي رحمه الله من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينار في منديل، فضرب خباءه في موضع خارجاً من مكة، فكان الناس يأتونه، فما برح حتى ذهبت كلها.

وعن الربيع بن سليمان قال: كان الشافعي راكباً حماراً فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين فأخذ السوط ومسحه بكمه وناوله إياه، فقال الشافعي لغلامه: ادفع الدنانير التي معك إلى هذا الفتى.

قال الربيع: فلست أدري كانت تسعة دنانير أو ستة.

وعن الربيع بن سليمان قال: تزوجت فسألني الشافعي: كم أصدقتها؟ فقلت: ثلاثين ديناراً، قال: كم أعطيتها؟ فقلت: ستة دنانير، فصعد داره وأرسل إلي بصرة فيها أربعة وعشرون ديناراً.

كان ابن عبد الحكم مالكياً ثم رجع عن مذهبه وصار شافعياً، ولما أوصى الإمام الشافعي بحلقته إلى البويطي رجع ابن عبد الحكم إلى المذهب المالكي مرة ثانية، قال رحمه الله: كان الشافعي أسخى الناس بما يجد، وكان يمر بنا، فإن وجدني وإلا قال: قولوا لـ محمد إذا جاء يأتي المنزل فإني لا أتغدى حتى يجيء، فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية أنضجي لنا فالوذجاً -يعني: فطيراً- فلا تزال المائدة بين يديه حتى يفرغ منها ويتغدى.

وعن الربيع قال: أخذ رجل بركاب الشافعي فقال: يا ربيع أعطه أربعة دنانير واعذرني عنده.

وعن الربيع قال: كنا مع الشافعي رحمه وقد خرج من مسجد مصر، فانقطع شسع نعله -وهو رباط النعل- فأصلح له رجل شسعه ودفعه إليه، فقال: يا ربيع معك من نفقتنا شيء؟ قلت: نعم، قال: كم؟ قلت: سبعة دنانير، قال: ادفعها إليه.

ولعل النعل كله لا يساوي هذا المبلغ.

وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: جاءنا الشافعي إلى منزلنا قال: فقال لي: اركب دابتي هذه قال: فركبتها، قال: فقال لي: أقبل بها وأدبر ففعلت، فقال: إني أراك بها لبقاً فخذها فهي لك.

قال: وكان من أسخى الناس ثم ذكر قصة التمر.

وقصة التمر رواها البيهقي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: كان الشافعي رحمه الله من أسخى الناس قال: وكنت آكل مع الشافعي تمراً ملوزاً -وهو التمر الذي ينزع منه النوى ويوضع فيه اللوز، فجاء رجل فقعد وأكل وكان يجلس إليه، فلما فرغ من الأكل، قال الرجل للشافعي: ما تقول في أكل الفجأة؟ قال: فلوى الشافعي عنقه إلي وقال: هلا كان سؤاله قبل أن يأكل.

لأنه لو قال له: لا يجوز كان كف عن الأكل.

وقال الشافعي رحمه الله: السخاء والكرم يغطيان عيوب الدنيا والآخرة بعد ألا يلحقهما بدعة.

وعن إبراهيم بن محمد قال: كنت في مجلس أحمد بن يوسف النقلي صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام فجرى ذكر الشافعي وأخلاقه وفقهه وسماحته فقالوا: ما شبهناه إلا بأبيات أنشدها حفص بن عمر الأزدي المقرعي لبعض الأعراب: إن زرت ساحته ترجو سماحته بلتك راحته بالجود والكرم أخلاقه كرم وقوله نعم يقولها بفم بحبحت فاحتكم ما ضر زائره يرجو أنامله إن كان ذا رحم أو غير ذا رحم الجود غرته والنجم غايته يقولها بفم قد لج في نعم وعن الربيع بن سليمان قال: دفع إلي الشافعي دراهم لأشتري له حملاً -وهو الكبش أو الخروف- وأمرني أن أشوي ذلك، قال: فنسيت واشتريت سمكتين وشويتهما فأتيته بهما، فنظر فقال: يا أبا محمد! كلهما فقد اشتهيتهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>