للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي ترجمة الإمام أبي حنيفة]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

أما بعد: فهذه الجولة في السلسلة المباركة (من أعلام السلف) مع إمام من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، وكلهم فاضل كريم، وإنما تأخرت في إنجاز ترجمته لأمور: أولها: أن الأمور تجري بالمقادير، والذي يملك مفاتيح خزائن السماوات والأرض هو الذي يملك قلوب العباد.

ثانيها: همة البحث والتوفيق بيد الله عز وجل، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته وأن يعرضنا لأسباب رحمته وجنته.

ثالثها: أن هذا الإمام تباينت أقوال الناس فيه تبايناً بالغاً، فمن معظم له أشد التعظيم، فمقدم له على جميع العلماء، وهم متعصبة الأحناف، وفي مقابلهم من انتقصه وطعن في حفظه وفضله.

وقد ساق الخطيب رحمه الله في ترجمته أقوال الفريقين، إلا أن أسانيد من طعن فيه الغالب عليها الضعف الشديد، وبعد تتبع سيرته، وانتقاء أبعد الروايات عن الغلو اتضحت لنا بفضل الله عز وجل الأمور، وظهر ما أخبر به الخريبي: لا يقع في أبي حنيفة إلا جاهل أو حاسد.

وإذا كان الأصل في المسلم حسن الظن، فكيف بمن شهد له علماء عصره الأثبات بالعدالة والفقه والشرف والفضل؟! وكيف بمن امتلأت قلوب المسلمين بمحبته، وشغلت الألسن بالثناء عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك عاجل بشرى المؤمن)؟! فالإمام أبو حنيفة تباينت فيه أقوال الناس، فبعض الناس يرفعه فوق كل الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم، وبعضهم يطعن فيه، ومع تتبع الأخبار وجد أن الذين مدحوا هذا الإمام هم الذين معهم الحق، وكما سنرى في خاتمته وفي ترجمته كيف أنه إمام عظيم من الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة لهم فضل وشرف، ونظن أن لهم نية حسنة؛ لأن المذاهب كانت كثيرة جداً، والعلماء كانوا كثيرين، فقد يوجد في القرية الواحدة ما يزيد على مائة عالم، ولكن الذين بقي علمهم وبقيت مذاهبهم ونقلت أخبارهم هم هؤلاء الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة المتبعة.

قال التاج السبكي: ينبغي لك أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين، وألا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح، ثم إن قدرت على التأويل وحسن الظن فدونك، وإلا فاضرب صفحاً عما جرى بينهم؛ فإنك لم تخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ودع ما لا يعنيك، ولا يزال طالب العلم عندي نبيلاً حتى يخوض فيما جرى بين السلف الماضين ويقضي لبعضهم على بعض، فإياك ثم إياك أن تصغى إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان الثوري، أو بين مالك وابن أبي ذئب، أو بين أحمد بن صالح والنسائي أو بين أحمد والحارث بن أسد المحاسبي.

ففي كل زمن هناك شيء من تغاير العلم، ومن طبيعة البشر بين بعض العلماء، ولكنهم نسور في الفضاء ونحن أفراخ على الأرض.

وهلم جراً إلى زمن العز بن عبد السلام، والتقي ابن الصلاح؛ فإنك إذا اشتغلت بذلك خشيت عليك الهلاك، فالقوم أئمة أعلام، ولأقوالهم محامل، وربما لم تفهم بعضها، فليس لك إلا الترضي عنهم، والسكوت عما جرى بينهم، كما نقول فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم.

أي: نقول بقوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:١٣٤].

وعن يحيى بن معين قال: سمعت يحيى القطان يقول: جالسنا والله أبا حنيفة وسمعنا منه، وكنت والله إذا نظرت إليه عرفت في وجهه أنه يتقي الله عز وجل.

ويحيى بن معين، هو إمام الجرح والتعديل.

وقال سفيان بن عيينة: ما قدم مكة رجل في وقتنا أكثر صلاة من أبي حنيفة.

وروى الخطيب بسنده أبياتاً مدح فيها ابن المبارك مدح فيها أبا حنيفة رحمه الله فقال: رأيت أبا حنيفة كل يوم يزيد نبالة ويزيد خيراً وينطق بالصواب ويصطفيه إذا ما قال أهل الجور جوراً يقايس ما يقايسه بلب فمن ذا يجعلون له نظيراً كفانا فقد حماد وكانت مصيبتنا به أمراً كبيراً وهو حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة.

فرد شماتة الأعداء عنا وأبدى بعده علماً كثيراً رأيت أبا حنيفة حين يؤتى ويطلب علمه بحراً غزيراً إذا ما المشكلات تدافعتها رجال العلم كان بها بصيراً فهذا من مدح عبد الله بن المبارك إمام المسلمين لـ أبي حنيفة رحمه الله.

وبعد! فلسنا مع متعصبة الأح

<<  <  ج: ص:  >  >>