للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأعمش والتدليس]

قال الذهبي: الأعمش أبو محمد أحد الأئمة الثقات، عداده في صغار التابعين، ما نقموا عليه إلا التدليس.

والتدليس يعني: إخفاء عيب في الحديث، والتدليس على أقسام.

تدليس الشيوخ: وهو أن المشهور بالاسم يذكر بالكنية أو ينسب إلى اسم غير مشهور به حتى يوعر الطريق إلى معرفته.

وهناك تدليس الإسناد وهو: أن يسقط شيخاً ضعيفاً بين ثقتين ويكون هذا الشيخ الذي أسقط هو شيخه الأقرب.

وهناك تدليس آخر يسمى تدليس التسوية وهو: أن يسقط ضعيفاً بين ثقتين ولا يكون هذا الضعيف شيخه الأقرب.

وتدليس التسوية أسوأ أنواع التدليس؛ لأنه يصرح بالتحديث من شيخه فيقول: حدثنا فلان فيكون فلان ثقة، ثم يسقط ضعيفاً في بقية السند فيقول: عن فلان، فيكون الذي أسقط ضعيفاً، والعنعنة أو الأنأنة صيغة توهم السماع وليس فيها تصريح بالسماع؛ ولذلك كان شعبة يقول: كفيتكم تدليس الأعمش، يعني: كان ينظر إلى فمه فإذا قال: حدثنا كتب، وإذا قال عن فلان لم يكتب.

فالحاصل: أن التدليس ليس كذباً، وإنما المدلس يسقط ضعيفاً في السند فيخفي عيباً فيه، ولا يكون الدافع للتدليس هنا دائماً هو الغش أو توعير الطريق إلى معرفة السند، ولكن أحياناً يكون للتجمل، كأن يروي شخص عن شيخ أحاديث كثيرة جداً، فيذكره مرة بالاسم ومرة بالكنية من أجل أن يجمل الحديث، ويكون هذا الشيخ ثقة ليس ضعيفاً، أو أنه يريد أن يوهم أن السند مرتفع، فيسقط شيخه لتقليل عدد الرواة، وعلى هذا لا يكون الدافع للتدليس هو الغش، وقد وقع في التدليس جماعة من كبار الأئمة؛ كـ الأعمش وكـ سفيان الثوري، إذ كان يدلس عن الضعفاء، وكذلك سفيان بن عيينة، ولكن لم يكن يدلس إلا عن ثقة.

قال الإمام الشافعي في الرسالة: من دلس لنا مرة فقد كشف عن عورته في الرواية، فلا نقبل منه إلا التصريح بالسماع.

يعني: الذي ثبت تدليسه لا يقبل منه شيء إلا أن يقول: حدثنا أو أخبرنا، فإذا عنعن أو أنأن في الحديث، كأن يقول: أن فلان أو عن فلان قال كذا، فلا يقبل منه.

قال الذهبي: قال جرير بن عبد الحميد: سمعت مغيرة يقول: أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعيمشكم هذا.

كأنه عنى الرواية عمن جاء، وإلا فـ الأعمش عدل صادق ثبت صاحب سنة وقرآن، ويحسن الظن بمن يحدثه ويروي عنه، ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذي يدلسه، فإن هذا حرام.

وقال الذهبي في خاتمة ترجمته في الميزان: وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: (حدثنا) فلا كلام، ومتى قال: (عن) تطرق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم، كـ إبراهيم -يعني: النخعي - وابن أبي وائل وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال.

وقال ابن المديني: الأعمش كان كثير الوهم في أحاديث هؤلاء الضعفاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>