للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الترف والركون إلى الدنيا]

المرض الثالث: الترف والركون إلى الدنيا، فقد كبرت الدنيا جداً في عيون المسلمين أيام التتار، وكذلك في أيامنا، فهناك أجيال كاملة من المسلمين اليوم لا تعيش إلا لدنياها، وإن كانت حقيرة وذليلة، فاليوم كل فرد يعيش لنفسه، ويجمع المال ويتجمل ويحسن معيشته، ويتنعم بأنواع الطعام والشراب والمراكب والمساكن، ويستمتع بأنواع الغناء المختلفة وأساليب الموسيقى المتجددة، وهكذا غرق المسلمون في دنياهم، وتجد الكثير من الشباب يحفظ من الأغاني الماجنة أكثر مما يحفظ من القرآن، وكثير منهم يعرف بالتفصيل تاريخ حياة الفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات، ويعرف سيرة كل لاعب في بلادنا أو في غيرها، ولا يعلم شيئاً عن تاريخ وسيرة أبطال وعلماء وقواد المسلمين، بل لا يعلم شيئاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قد لا يعلم شيئاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، وهذا مرض يحتاج إلى علاج.

فالترف من أسباب الهلكة الواضحة، يقول الله عز وجل في كتابه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:١٦]، وقد وصل الترف اليوم في بلاد المسلمين إلى عموم المسلمين، حتى وصل إلى فقرائهم، فتجد الرجل قد لا يجد قوت يومه وهو لا يستغني عن السيجارة، ويكاد لا يجد ما يستر به نفسه وأولاده، ثم يجلس الساعات على المقاهي وما إلى ذلك، وقد لا يستطيع أن يعلم أولاده، ولكنه يحرص كل الحرص على اقتناء فيديو أو طبق فضاء، وأما الترف الفكري فهو كثير جداً، فتجد أذهان الكثير ممن يعتبرون أنفسهم من المثقفين مملوءة بأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع أبداً، إما أفكار فلسفية، أو مدارس علمانية، أو نظريات مادية، أو أقوال وحكم لأناس لا يزنون شيئاً أبداً في ميزان الحق، وهذا لا يصح لأمة تعاني الأزمات، وأكثر من بقعة من بقاعها محتلة، وهي متأخرة في معظم مجالات الحياة، في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والعلمية، بل والأخلاقية، فهذا لا يستقيم أبداً، ولكنه واقع نراه بأعيننا، وهو واقع أليم، ونحن لا نريد أن نكون كالنعام نضع رءوسنا في الرمال، ونخفي هذه الحقائق عن أعيننا لنعيش في سعادة، فهذا من الغباء والحماقة.

فعلينا أن نواجه أمراضنا، ونقف وقفة جادة لنعالجها، ولن يصلح حال المسلمين وتحرر بلادهم أبداً إلا بتطبيق شرع ربنا، وموافقتنا لسننه سبحانه وتعالى في النصر، وهذا مشاهد في التاريخ وفي الواقع.

<<  <  ج: ص:  >  >>