للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب تردد التتار في غزو أرض الخلافة العباسية مطلع عام ٦١٨هـ]

بدأ التتار بعد ذلك يفكرون في غزو مدينة أربيل في شمال العراق، وهي مجاورة للموصل في شمال العراق، فدب الرعب في قلوب أهلها، وكذلك دب الرعب في قلوب أهل مدينة الموصل الواقعة غرب أربيل، وفكر بعض أهل أربيل والموصل في الهروب من طريق التتار، وخشي الخليفة العباسي الناصر لدين الله أن يعدل التتار عن مدينة أربيل ويتجهوا إلى بغداد، فبدأ يفيق من سباته العميق، واستنفر الناس لملاقاة التتار في أربيل، وأعلن حالة الاستنفار العام في كل المدن العراقية الواقعة تحت سيطرته، وبدأ جيش الخلافة العباسية في التجهز، وجمع الخليفة العباسي الناصر لدين الله (٨٠٠) رجل فقط ضد مئات الآلاف من التتار! فلم يكن الناصر لدين الله خليفة، وإنما كان صورة خليفة، ولم يستطع قائد الجيش العباسي واسمه مظفر الدين أن يحارب التتار بهذا العدد الهزيل، فعندما رأى أمامه مئات الآلاف انسحب.

ثم حصل شيء غريب جداً، فقد شعر التتار أن هذا الانسحاب خدعة، وأن هذه الفرقة ما هي إلا مقدمة للجيش الإسلامي الكبير؛ لأنه من غير المعقول أن جيش الخلافة العباسية المرهوبة لا يزيد عن (٨٠٠) جندي فقط، ولذلك قرر التتار تجنب المعركة، وانسحبوا بجيوشهم.

فالرعب كان يملأ قلوب التتار من إمكانيات الخلافة العباسية، فالخلافة العباسية كانت ملء سمع وبصر الدنيا، وكانت تزهو على غيرها من الأمم بتاريخ طويل جداً وأمجاد عظيمة، ولا شك أن دولة لقيطة مثل: دولة التتار، ليس لها على وجه الأرض إلا بضع سنوات، ستحسب ألف حساب لدولة هائلة يمتد تاريخها إلى أكثر من (٥٠٠) سنة.

لذلك كان التتار يقدرون إمكانيات العراق بأكثر من حقيقتها، ومن ثم آثروا ألا يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر، واستبدلوا ذلك بما يعرف بحرب الاستنزاف، وقرروا عمل ضربات خاطفة موجعة للعراق، وحصار طويل مستمر ليضعفوه، وأحلاف واتفاقيات مع الدول والإمارات المجاورة؛ لتسهيل الحرب ضده في الوقت المناسب، ومن أجل ذلك انسحب التتار ليطول بذلك عمر العراق عدة سنوات أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>