للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسماء الحسنى ليست محصورة في تسعة وتسعين اسماً

أخيراً: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة) وفي رواية: (من حفظها دخل الجنة)، واختلف العلماء في معنى: (من أحصاها).

وهذا الحديث ثابت لكن الحديث الذي ورد فيه تعداد الأسماء والصفات لا يصح باتفاق أهل المعرفة بالحديث.

بقيت قضية أخرى: هل هذه الأسماء محصورة في تسعة وتسعين؟ الصحيح والمقطوع به أنها لا تنحصر في تسعة وتسعين، وفي هذا الحديث قال: (إن لله)، ولم يقل: إن أسماء الله تسعة وتسعون.

وفي الحديث الآخر قال: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن) إلى آخر الحديث وهو دليل على أن لله عز وجل أسماء غير معلومة، مما استأثر سبحانه وتعالى بعلمها أو مما علمها أحداً من خلقه ممن اختصهم بذلك.

لكن هذه التسعة والتسعين لابد أن تكون مما علمنا الله في كتابه، لأن الله رتب عليها ثواب دخول الجنة، فلا يمكن أن يكون من هذه التسعة وتسعين اسم مما استأثر الله بعلمه؛ لأنه لا فائدة إذاًَ في أن يدعى إلى إحصائها وحفظها وأن يرتب على ذلك ثواب، والثواب إنما يترتب على عمل يمكن أن يقوم به الناس، لكن حينما تكون هذه التسعة والتسعون من ضمن ما استأثر الله بعلمه لا يمكن الناس أن يعملوا بهذا الحديث، ولا يمكن أن يحصوها، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يكون عبثاً وأن يعلق الأمة بثواب لا يمكن أن تصل إليه أصلاً ولا تطيقه.

المقصود: أن العلماء اختلفوا في معنى: (من أحصاها)، فمنهم من ربطها مع قوله عز وجل: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل:٢٠] أي: لن تطيقوه، فقال: أن إحصاءها هنا إطاقتها.

ومنهم من قال: من قام بحقها، وتأمل معانيها، وقام بآثارها.

ومنهم من قال: المقصود عدها.

ومنهم من قال: أن يدعو الله بها كلها.

ومنهم من قال: قراءة القرآن؛ لأنها في القرآن، فإذا قرأ القرآن يكون قد أحصاها.

ومنهم من قال: إحصاؤها حفظها، وهي رواية في الحديث: (من حفظها)، وهذا لكن هناك رأي آخر ومنحى آخر أشار إليه ابن القيم رحمه الله: هو أن الإحصاء مراتب: مرتبة الإطاقة، ومرتبة الحفظ، ومرتبة الدعاء كل هذه مراتب.

ويوضح هذا أنه لو قررنا أن المعنى هو حفظها لترتب عليه شيء آخر، فإن ثواب حفظ القرآن الكريم معروف كما قال صلى الله عليه وسلم: (الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)، فلو فرضنا أن شخصاً منافقاً حفظ القرآن، أو شخصاً يختم القرآن كل يوم، لكنه لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، فهل ينفعه حفظه للقرآن؟ وهل تنفعه تلاوته القرآن؟ (القرآن حجة لك أو عليك)، ربما كان خصماً له هذا القرآن، فكذلك هذه الأسماء حين يكون إحصاؤها مجرد حفظ فقط لا ينفعه ذلك، لكن يحفظها ويتأمل معانيها ويلزم نفسه بمقتضياتها.