للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانهزام أمام العوائق]

خامساً: من صور الإخلال بالعمل: الانهزام أمام أي مشكلة أو تعويق أو مضايقة والتخلي بحجة عدم فتح المجال وعدم التأييد إلى غير ذلك من الأعذار، شاب يدرس في مدرسة أو يعمل في مؤسسة أو يدرس في جامعة في أي مكان على عرض هذا العالم الإسلامي وطوله، فيحاصر نشاطه وتوصد الأبواب أمامه فيقف مكتوف الأيدي بانتظار فتح الأبواب أو طلب الانتقال إلى مجال آخر يمكن أن يعمل فيه، وهي لغة كثيراً ما نسمعها.

أي منطق يسيطر على تفكير هذا الصنف من الناس؟ هل كان أنبياء الله عز وجل كذلك؟! الدعاة والمصلحون هل كانوا كذلك؟! دعاة الفتنة وأصحاب الطوائف والمبادئ الأرضية هل كانوا كذلك؟! ألم يكونوا يضحون ويبذلون سنوات طويلة وهم يضايقون ويتعرضون للسجن والمضايقة والملاحقة والمتابعة ومع ذلك يدعون ويتحملون.

واقرأ في تاريخ الطوائف الباطنية بدءاً بالعصور المتقدمة من تاريخ الإسلام كيف كان القرامطة والإسماعيلية والدروز والنصيرية والرافضة وغيرهم على مدى التاريخ إلى الطوائف المعاصرة من أصحاب الأفكار الضالة المعاصرة؛ كيف يعملون ويتحملون مع المضايقة ومع مصادرة حرياتهم والتضييق على جهودهم، فما بالنا نحن يسيطر علينا هذا المنطق؟ أنا عندي استعداد أن أعمل لكن عندما يفتح المجال أمامي عندما تبارك جهودي عندما أدعى إلى العمل، أما حين يكون الإنسان في موقع فيضايق حينئذ يقف مكتوف الأيدي، ويشعر أنه لا مجال أمامه، ولينتقل إلى ميدان آخر.

وتعال معي مثلاً فافترض إنساناً يدرس في جامعة من جامعات العالم الإسلامي المترامي الأطراف، جامعة فيها ثمانمائة طالب وحين يضايق ولا يكون له مجال ينتقل إلى ميدان آخر، فيأتي الثاني يفكر بنفس العقلية فينتقل وهكذا فما ذنب هؤلاء الطلاب أن يحرموا من هذا الخير وهذه الدعوة؟! نعم قد يكون انتقالك إلى هذا الميدان يعطيك مجالاً من العمل أكثر وهذا صحيح لكن أيضاً هذا الثغر وهذا الميدان ينبغي أن لا يترك.

والقضية ليست قضية مادية تجارية بحتة: ماذا قدم فلان وماذا قدمت أنا كم اهتدى على يدي شخص وكم اهتدى على يده؟ لا، فالقضية أن يعمل كل إنسان في موقعه، وأن يشعر كل امرئ أنه على ثغر.

أحياناً يعمل الإنسان بعمل فتأتيه مشاكل فينهار عمله وتتحطم الكثير من نتائج عمله فلماذا ينهار؟ لماذا لا تستمر في عملك ولو كانت النتيجة قليلة؟ ولو كانت النتيجة يسيرة ولو كانت تلك المواقف محطمة لك.

لقد من الله عز وجل على المسلمين بانتصار الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجاً فعم الإسلام أرجاء هذه الجزيرة المعمورة، وفوجئ المسلمون ورزئوا بموت النبي صلى الله عليه وسلم فماذا كان بعد ذلك؟ ارتدت فئام وطوائف من العرب، وتآمروا حتى أصبح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كالغنم في الليلة الشاتية المطيرة، ومع ذلك مع هذا الانهيار، ومع هذه المشكلة، ومع هذا الوضع الذي صار إليه واقع المجتمع آنذاك لم يقف المسلمون مكتوفي الأيدي، بل جاهدوا وتحملوا حتى استطاعوا خلال سنتين ونصف أن يتحولوا إلى فاتحين، فيفتحون العراق والشام ومصر.

أيها الإخوة! نحتاج إلى هذه الإرادة التي تتجاوز كل العقبات، وتتجاوز كل المشاكل، والتي تجعل الإنسان يعمل في أي موقع كان وهو يشعر أنه يعمل من خلال ما يستطيع من خلال ما يقدم مهما كانت النتائج التي يحققها.