للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بطاعة الله والآخرة]

لعلنا نرى نماذج من هذه الصور، وقد تختلف النسب بين من هذا همه وذاك همه، قد تختلف الخواطر، ولكنك ترى أن هذه الهموم كلها هموم تسيطر على فئة وقطاع من الشباب، وتتحكم هذه الهموم في مشاعر الإنسان.

ويضرب لنا ابن الجوزي مثلاً عجيباً في ذلك، فهو يتحدث عن همة المؤمن، ثم يضرب لنا مثلاً في اختلاف اهتمامات الناس وأثرها عليهم، فيقول: همة المؤمن متعلقة بالآخرة، فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكل من شغله شيء فهمته شغله، ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع إلى دار معمورة رأيت البزاز ينظر الفرش ويحزر قيمته، والنجار إلى السقف، والبناء إلى الحيطان، والحائك إلى نسج الثياب.

والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلماً ذكر العقاب، وإن سمع صوتاً فظيعاً ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نياماً ذكر الموت في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة، فهمته متعلقة بما في الآخرة، وذلك يشغله عن كل أمور الدنيا، إلى آخر كلامه رحمه الله.

وهناك شاب آخر يعيش الظروف نفسها، فهو يعيش في نفس البيئة التي يعيشها الشاب الأول الذي يهتم بالرياضة، أو الشاب الآخر الذي يهتم بشهوته، فيعيش نفس الظروف، ونفس البيئة، ونفس المتغيرات، وربما يعيش البيت نفسه الذي يعيشه فلان، فأنت ترى الشاب الأول له هذا الهم، بينما الآخر يعيش معه في البيت نفسه، ومن أم وأب واحد، ويتلقون تربية واحدة، ولكن هذا له هم آخر غير هم أولئك، ولسان حاله يقول: يا قومي! أنتم في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، يا قومي! لي هم غير الهم الذي يشغلكم، فلم تعد الدنيا هماً لي، ولم تعد الرياضة مجالاً أن أفكر فيها أصلاً، فضلاً عن أن أصرف فيها نفيس وقتي ومشاعري وأحاسيسي، وأما الشهوة فهي أبعد إلي من ذلك كله؛ لأني أعرف أنها تقودني إلى ما حرم الله عز وجل.

نعم إنني أصرف شهوتي، لكن فيما أباح الله سبحانه وتعالى، وأؤجر على ذلك، وأتعبد الله بذلك، ولكن لي وادٍ آخر ولي هم آخر غير هذا الهم الذي تهتمون به، فهو يهتم بحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، فإذا رأى شاباً تساءل في ذهنه: يا ترى كم يحفظ من القرآن؟ ويسمعه يقرأ فيصغي إلى قراءته ليسمع ماذا يقرأ، وإلى أين وصل في حفظ القرآن، وهل فاقه أم لا؟ بينما ذاك الشاب ينظر إلى هذا الشاب نفسه الذي يقرأ القرآن، لكنه ينظر بعين أخرى، ينظر بنظرة أخرى، ينظر وله هم آخر وصورة أخرى، أرأيت كيف يجتمع هذان في النظر إلى هذا الشاب، لكن هذا له نظرة وذاك له نظرة أخرى! تماماً كما ذكر ابن الجوزي يدخل الناس القصر، فهذا ينظر إلى الأخشاب، وهذا ينظر إلى الحائط، وهذا يذكره هذا النعيم بنعيم الجنة، ويذكره هذا الجمال والبهاء في الدنيا بزوال الدنيا وفنائها.

وهذه صورة أخرى، فالشاب الذي همه العلم الشرعي وتحصيله، قد تراه يدخل مع غيره المكتبة، وتجد هذا الغير همه مجلة، أو همه صفحة رياضية، أما هذا فهمه كتاب من كتب العلم، ويدخل التسجيلات وله هم، والآخر يدخل تسجيلات أخرى ولكن له هم آخر، في المجالس يتحدث في موضوع، وذاك يتحدث في موضوع آخر.

إذاً: هذه صورة عاجلة عن اهتمامات الشباب.