للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعليم فن الجريمة]

الأثر الرابع والعشرون والأخير: تعليم فن الجريمة، وتساهم هذه الشاشة في تعليم أساليب وفن الجريمة مساهمة فعالة، ويتنادى الآن عقلاء الغرب -وليس فيهم عاقل- والمفكرون والكتاب إلى ضرورة الحد مما يعرض على شاشة التلفاز من تلك البرامج التي تعلم الجريمة، فقد عقد مجلس العموم البريطاني جلسة في عام (١٩٨٤م) لمناقشة كيفية بيع وتنظيم الأفلام؛ وذلك أن الإحصاءات البريطانية أثبتت أن معدل العنف والجريمة ارتفع بشكل ملحوظ نتيجة انتشار أفلام الفيديو.

وفي دراسة في الكويت اتفق معظم الآباء والأمهات (٧٢%) على أن التلفاز خلق لدى الكثيرين الاعتقاد بأن العنف أسلوب من أساليب التعامل مع الآخرين.

في دراسة أجريت في سوريا حول بعض الأحداث الجانحين أفادت الدراسة أن (٨١%) من هؤلاء كانوا يرتادون السينما، وقد اعترف (٨٣%) من أولياء الجانحين بأنهم يعتقدون بأن الأفلام السينمائية تركت أثراً سيئاً على سلوك أبنائهم كما نشرت ذلك مجلة الأمن والحياة.

وفي تونس قام طفل بشنق نفسه ليطبق ما رآه في أحد الأفلام كما ذكرت ذلك مجلة الأمن والحياة.

في مدينة بوسطن الأمريكية طفل عمره تسع سنوات رسب في جميع المواد فاقترح على والده أن يرسل علبة مسمومة من الحلوى للمدرسة، فسأله عن السبب وكيف تعلم ذلك؟ فقال: إنه أخذ هذه الفكرة من فيلم سينمائي.

في فرنسا طفل عمره خمس سنوات قام بإطلاق الرصاص على جاره وأصابه بجروح خطيرة، وأفاد بعد ذلك أنه تعلم حشو البندقية وإطلاق الرصاص من أحد الأفلام.

على كل حال هناك صور مزعجة جداً من الجرائم التي كانت تحصل نتيجة مشاهدة هذه الأفلام منها: عصابة من الأحداث من طلاب المرحلة الإعدادية في مصر قاموا بتخريب سبع مدارس، وكانت لغزاً محيراً لرجال الأمن حتى استطاعوا أن يقبضوا عليهم، وكان هؤلاء بعدما يقومون بالتخريب في المدرسة يكتبون على السبورة عبارة: البرادعي وإلى اللقاء في مدرسة أخرى، وأخيراً بعد القبض اعترفوا بأنهم قاموا بذلك تقليداً لأحد المسلسلات التي شاهدوها.

بل هناك جرائم على مستوى أكبر فـ براون المختلس المعروف خطط لجريمته عقب مشاهدة أحد الأفلام، وخلال أربع وعشرين ساعة من عرض ذاك الفيلم، تلقى البوليس خمس تهديدات بتفجير رحلات ومكاتب خطوط جوية.

إن هذه البرامج تقدم العنف والجريمة وتشرح كيفية ارتكابها، وكيف يخطط البطل اللص للضحية، وكيف يستخدم التهديد ويحصل على الفدية؛ ولهذا يقول استيفن بانا وهو أحد علماء النفس الغربيين: إذا كان السجن هو جامعة الجريمة فإن التلفزيون هو المدرسة الإعدادية لانحراف الأحداث.

وعندما نعود الآن بعد عرض هذه النماذج المذهلة إلى مجتمعنا نرى انتشار ما يسمى بالأفلام البوليسية، أو أفلام المطاردات، أو أفلام الكوبوي، وكل هذه الأفلام تساهم مساهمة فعالة في تعليم أساليب الجريمة والقتل والاحتيال وهي تحظى بالنسبة العظمى من المشاهدة.

ففي الدراسة التي أشرنا إليها قبل قليل بعنوان: (أثر الفيديو على مشاهدة التلفاز في مدينة الرياض)، أفاد (٧٩%) من الشباب أنهم يشاهدون الأفلام البوليسية، وفي دراسة أجراها مجموعة من طلاب كلية الآداب بجامعة الملك سعود وأشرنا إليها آنفاً: حصلت الأفلام البوليسية على الترتيب الأول في المشاهدة.

وفي تحقيق أشارت إليه مجلة الدعوة: ذكر أحد أصحاب الأفلام أن أكثر الأفلام انتشاراً أفلام الكوبوي والمطاردات البوليسية والمباريات.

ولا بد أن تترك هذه الأفلام أثراً بصورة أو بأخرى، إنها تعلم المجتمع وتعلم هذا الشاب ألواناً من أساليب الجريمة والاحتيال لم يكن متعلماً لها، وقد لا يكون بالضرورة أن يتحول كل هؤلاء المشاهدين لهذه الأفلام إلى مجرمين، ولكن يكفينا عندما تخرج هذه الأفلام مجموعة من هؤلاء المجرمين، يكفي أثراً ودافعاً إلى ضرورة منع هذه الأفلام والحد منها.