للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرجولة بين المظهر والمضمون]

الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها فمن يجلونه ويقدرونه ليس بالضرورة هو أهل الإجلال والتوقير، ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء الله الصالحين المقربين وماذا يضيره حين يرضى عنه الله عز وجل ويسخط عنه الناس؟! لذا يرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى أن لا يهتموا بالمظاهر، فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهراً، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع، قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يستمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رب أشعث مدفوع في الأبواب لو أقسم على الله لأبره).

وهاهو نموذج من الرجال الذين بلغوا هذه المنزلة وشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، عن أنس رضي الله عنه قال: (غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله! غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني: أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ! الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا فيه بضعاً وثمانين ما بين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٢٣] إلى آخر الآية، وقال: إن أخته وهي تسمى الربيع كسرت ثنية امرأة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص فقال أنس: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فرضوا بالأرش وتركوا القصاص، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) رواه البخاري.

إنهم ضعفاء يستضعفهم الناس لكن ذلك لا يضيرهم فعند الله هم أهل المنزلة العالية، عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟! كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟! كل عتل جواظ مستكبر) رواه البخاري.

وهاهو نموذج آخر يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاح والتقى وإجابة الدعاء، وهو مع ذلك يعيش في دهماء الناس فلا يقيم له من تأسرهم المظاهر وزناً؛ عن أسير بن جابر قال: (كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سأل: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى أتى على أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي فاستغفر له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، قال: فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فأتى أويساً فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي، قال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي، قال: لقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له ففطن الناس، فانطلق على وجهه قال أسير: وكسوته بردة، فكان كلما رآه إنسان قال: من أين لـ أويس هذه البردة؟) رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله