للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سؤال يفرض نفسه حول السفور ودوافعه]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد: فأسأل الله تبارك وتعالى أن يكون هذا اللقاء لقاءً طيباً مباركاً، وأن يكون هذا المجلس في موازين حسناتنا يوم نلقاه، وأن يثيب كل من كان سبباً في إقامة مثل هذا المجلس المبارك.

حديثنا أيها الإخوة والأخوات كما سمعتم عن الباحثات عن السراب: حين يتيه المرء في الظهيرة وسط الصحراء يتبدى له أثر ضوء الشمس على أنه ماء زلال، وكلما اقترب منه ابتعد هذا الماء، وهكذا يجري وراءه يريد إدراكه فيكون أسرع منه، إنه السراب الذي يتبدى للإنسان بصورة يحبها، وحين يبلغه يجده هباء لا حقيقة له.

حين نتأمل واقع الناس اليوم نرى عجباً، نرى الرجل يختار اللباس الواسع والساتر لجسده، بينما تسعى المرأة لاختيار لباس من نوع آخر.

والسؤال الذي يفرض نفسه: هل هذا السفور يرتبط بدافع وعامل موضوعي أم هو وضع اجتماعي تسايره المرأة؟ هل الأصل في المرأة أن تكون سافرة مبدية لمفاتنها، أم الأصل أن تكون محجبة مستترة؟ لماذا لا تسير المرأة على سجيتها وطبيعتها؟ بل لماذا تتسابق الأزياء الحديثة في مقدار ما تبديه من مفاتن المرأة وجسدها؟ بل على حساب انطلاقها في سيرها وصحتها؛ فكثير من الملابس الضيقة التي ترتديها النساء لها آثارها الصحية التي لا تخفى، أليست صورة من الرغبة في استثارة الآخرين؟ كانت الفتاة في بلاد المشرق مستترة محتشمة، وما أن جاء المستعمر إلى بلاد المسلمين بنفسه وبعد ذلك بإعلامه، حتى سارت الفتاة في طريق نساء الغرب، وصرت حين تلقاهن في الأماكن العامة لا تفرق بينهن وفتيات الغرب إلا بلون البشرة، فما الذي يدعو الفتاة المسلمة للسفور؟ وما الذي يمنعها من الحجاب؟ في هذا اللقاء المبارك بإذن الله سأسعى للإجابة على هذا السؤال، وأملي من أختي الكريمة الإنصات والمتابعة، والله قد جعل لها عقلاً تميز به ما تسمع وما تقرأ، فإن رأت خيراً قبلته، وإن رأت غير ذلك فلن يملي أحد على أحد اقتناعاته.

إن حديثنا أيها الإخوة والأخوات حديث لتلك الفتاة التي اختارت طريق التبرج والسفور، ورفضت أن تلتزم بهذا الحجاب، وهو حديث أيضاً لتلك الفتاة التي أخذت الحجاب صورة، فارتدت حجاباً تعتقد أن فيه استجابة لأمر الله، بينما هو يبدي مفاتنها فصارت أقرب ما تكون إلى وصف النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (صنفان من أمتي لم أرهما قط: نساء كاسيات عاريات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) ارتدت في ظاهرها الحجاب لكن تفننت في إبراز مفاتن جسمها ما بين لباس ضيق، وما بين أجزاء تبديها من هنا وهناك، فغاب المعنى الذي شرع من أجله هذا الحجاب.

وهو أيضاً خطاب للفتاة الصالحة المتدينة التي تنطلق داعية لأخواتها، فهي بحاجة إلى أن تعي ما يفكر به هؤلاء، فالفتاة الصالحة رسولة خير إلى أخواتها، إنها حين تعي واقع هؤلاء النسوة فإنها ستكون أقدر على دعوتهن والتأثير عليهن.

وهو خطاب للآباء والمصلحين حتى يعوا هذه الظاهرة المؤلمة في مجتمعات المسلمين.