للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بما يناسب كل فرد]

نقطة ثالثة: وأريد أن أقف عندها كثيراً؛ لأننا نجد فيها خللاً في الواقع، وأرجو أن تفهموها فهماً جيداً.

مثلاً: يأتيك أحياناً شاب في المرحلة الثانوية، فتجد أنه يهتم بمآسي المسلمين اهتماماً بالغاً جداً، ويسأل عن الأخبار، ويعتني بها، وتسيطر عليه هذه القضية كلية، وينسى القضايا الأخرى التي هي بالنسبة له قد تكون أهم، فما عسى شاب في المرحلة الثانوية أو في المرحلة المتوسطة، يعيش في مدينة، أو يعيش في قرية من القرى، ماذا سيقدم هو لقضية من قضايا المسلمين كقضية المسلمين في البوسنة مثلاً، عندما تكون هي الشغل الشاغل عنده، وهي كل شيء عنده، فدائماً يسأل عن هذه القضية، ويثير هذه القضية؟! كثيراً ما يزورني الشباب، وأجدهم دائماً يطرحون أسئلة حول القضايا الساخنة التي تدور في المجتمع، آخر الأخبار في قضية البوسنة، آخر الأخبار في أوضاع الصومال، ثم قضايا ساخنة في المجتمع، وهذا هو كل شيء عندهم.

ونادراً ما يطرح الشباب عليك قضية يعاني منها هو شخصياً، يعني كيف يربي نفسه؟ كيف يصلح نفسه؟ أو قضية علمية تعنيه مثلاً، أو مشروع دعوي هو يفكر فيه ويقترحه.

وشخص آخر يهتم اهتماماً علمياً، لكن هذا الاهتمام أيضاً فوق مستواه، فهو مثلاً شاب لا يزال في مراحل مبكرة من العمر، فتجده يهتم بمسألة من المسائل الفرعية، ويقرأ فيها في كل الكتب المطولات والمختصرات، وأقوال العلماء، وماذا قالوا فيها، وهذا الحديث ما العلة فيه، وفلان وماذا قال في فلان، إلى غير ذلك، ويغرق في القضية هذه، ويتصور أن هذا هو العلم الذي يجب أن يعتني به ويهتم له.

فيسيطر عليه هذا الهم أيضاً هو الآخر، فيهتم بهذه المسائل الدقيقة جداً، ولهذا لما تسأله في أي مسألة من هذه المسائل الجزئية المشتهرة، يقول لك: هذه المسألة فيها خمسة أقوال لأهل العلم، قال فلان: كذا، وقال فلان: كذا، وصنف فيها فلان، وفيها حديث فيه الراوي الفلاني، وهو شاب في مرحلة ثانوية.

أنا والله لا أقول هذا حسداً لهذا الشاب أن يصل إلى هذا المستوى، لكن اسأله في قضية مهمة من قضايا العلم وأساس من أساسات العلم فقد يخطئ فيها.

وأنا يمكن آتي لك بشاب يستوعب ما قاله أهل العلم في قضية تقديم اليدين على الركبتين في الصلاة، والمصنفات وصنف فلان، وقال فلان، وهذا الحديث فيه فلان، أو قضية الإشارة مثلاً بالسبابة، لكنه لا يستطيع أن يفرق مثلاً بين الركن والشرط والواجب في الصلاة، ما الفرق بين هذا وذاك؟ ويمكن أن يخطئ في عد أركان الصلاة، أو في أحكام أساسية هو يحتاج إليها في الصلاة.

مرة أخرى أنا لا أقول: إن هذه قضايا لا ينبغي أن نهتم بها ولا نعتني بها، بل يجب أن نهتم بها، وهي قضايا من ديننا، ولا يجوز إطلاقاً أن نقول هذه قضايا ثانوية، ولا يجوز أن نسفه من يهتم بها، لكن يا أخي! الشاب يجب أن يكون مهتماً بقدر ما هو عليه، فالشاب الذي في هذه المرحلة يجب أن يهتم بالقضايا الأساسية، فيهتم بأساسات العقيدة، ولا يهتم بقضايا جزئية في العقيدة قد لا يضره إن جهلها، ويهتم بأساسات الفقه، ولا يهتم بالقضايا الجزئية التي قد لا يضره إن جهلها، ويهتم بالأساسات في علوم القرآن، وفي تفسير القرآن، فإذا صارت عنده قاعدة علمية جيدة بدأ يهتم بالفروع.

خذ جانباً آخر قد يهتم به الشاب أكثر من مستواه: الجانب الدعوي.

فيأتيك شاب في هذه المرحلة يسألك عن الجماعات الإسلامية، والخلافات التي بين الجماعات، والعمل الإسلامي، ومشاكل العمل الإسلامي، والقضايا التي قد لا يجيد التعبير عنها فضلاً عن أن يستوعبها، ألا توافقني أن هذا الشاب قد أخذ ما لا يطيق، وقد تحمل ما لا يطيق؟ نحن لا نطالبك بعدم الاهتمام بالدعوة، اهتم بالدعوة، لكن في موضع معين، وعلى قدرك أنت، فاهتم بأحوال المسلمين لكن بالقدر الطبيعي الذي فعلاً يطلب منك، وليس من اللائق أن تضيع وقتك في قراءة تحليلات وأخبار، وتسمع الإذاعات، وتستغرق جزءاً كبيراً جداً من وقتك في متابعة قضية من قضايا المسلمين.

الجانب الآخر: الجانب الدعوي: فلا تشغلنا في الكلام عن الجماعات الإسلامية، وعن مشاكل العمل الإسلامي، وعن هموم العالم الإسلامي، وأحياناً -مع احترامي الشديد- تجد طالباً في المرحلة الثانوية أو في مرحلة متوسطة قد ألف كتاباً وكتب: تأليف أبي فلان الأثري، إلى غير ذلك من الألقاب، ثم يُقيِّم العمل الإسلامي كله، ويحكم على الدعاة والجماعات الإسلامية.

أنا لا أقول: إن هؤلاء معصومون، ولا أقول: إنه ما ينبغي أن يتحدث عن أخطائهم، لكن على الأقل يجب على كل إنسان أن يعرف لنفسه قدرها، فبدل الكلام هذا كله يا أخي! أنت الآن في المرحلة الثانوية، أو مرحلة متوسطة، أو طالب جامعي، أو موظف، أياً كان شأنك، بدل هذا التفكير كله، والكلام الذي قد لا يفيد، وعادة ما يكون تجنياً، ما دمت مصراً على التأليف والتصنيف فصنف لنا مثلاً في أساليب دعوية يمكن أن يسلكها من هو مثلك، فأنت مثلاً طالب اعرض لنا تجربتك في الدعوة إلى الله عز وجل، والأساليب التي يجب أن يسلكها الشاب في الدعوة، وإذا كنت موظفاً اعرض لنا هذه ا