للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الالتزام تكاليف وهوية وانتماء]

نحن بحاجة إلى أن ننظر إلى الالتزام على أنه تكاليف، نعم، فيه تكاليف تحتاج إلى جهد وصبر، لكن أيضاً نحتاج إلى أن نبرز الصورة الأخرى الالتزام هوية انتماء اعتزاز، نحن نريد الجيل الذي يعتز بأنه متدين، الجيل الذي يمشي وهو يرفع رأسه بإسلامه لا فخراً ولا بغياً؛ لكن ذلك السلوك الذي أمرنا القرآن أن نتأسى به: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٩ - ١٤٠].

اليوم يتحدث الغرب عن توظيف السلاح النووي، يتآمر العالم بمؤسساته، بحكوماته، بدوله على حرب هذا الجيل وحرب هذه الظاهرة، ويبقى هذا الجيل منتصراً، صامداً، فماذا يملك هذا الجيل؟ شباب لا يملكون وسائل إعلام، لا يملكون أنظمة تتحدث باسمهم، لا يملكون منظمات ومؤتمرات، ومع ذلك يشعر العالم أن هذا يشكل الخطر الداهم.

الشباب الأعزل اليوم في فلسطين يواجه الدبابات، يواجه المدفعية، يواجه دولة تملك ترسانة نووية هائلة، تملك جهاز مخابرات متفوق، ومع ذلك يواجهون بالحجارة هذا السلاح.

الفتاة التي يسخر منها في التمثيليات، في برامج الفن، في وسائل الإعلام؛ تحارب لأنها متحجبة، تحارب لأنها ملتزمة، ومع ذلك تصر على التزامها وعلى حجابها، وانظروا مثلاً إلى الصور التي تنقلها وسائل الإعلام من الشارع الفلسطيني، كم ترى نسبة المحجبات في ذلك المجتمع الذي يحكمه إخوان القردة والخنازير، الشباب الذين ضربوا أروع الأمثلة في الشيشان وفي أفغانستان، همتهم متوقدة للجهاد، للذب عن الدين، للبذل للتضحية، الشباب الذي صمد أمام كل هذه المواجهات، ونوقن بإذن الله أنه مهما ووجه فإنه سيصمد بإذن الله.

إننا بحاجة إلى الشاب الذي يعرف قيمته، يعرف منزلته، لا فخراً ولا بغياً، إنما يقول للناس: إننا الأعلون حين نكون مؤمنين، وحين يعيش الشباب هذا الشعور يثبت بإذن الله، في هذه الشدائد، ويستطيع أن يغير، ويقول: طال الزمن أم قصر فالأمر لله عز وجل، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥]، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥].

إذاً: -أيها الإخوة والأخوات- إننا بحاجة إلى هذا التوازن، وهو أن يشعر الشاب الملتزم والفتاة الملتزمة أن الالتزام كما أن فيه تكاليف وأعباء فهو هوية وانتماء، وأمر يعتزون ويفتخرون به، إننا بحاجة إلى أن نقول للشباب حين نراهم: مرحباً بهذه الوجوه المشرقة، الوجوه الواعدة، إنكم أمل الأمة، إننا نستبشر حين نراكم، إننا نؤمل بإذن الله فيكم خيراً، ونشعر أن هذه الأمة التي تملك هذه الطاقات أمة مقبلة على خير طال الزمن أو قصر، والتغيير لا يقاس بالسنوات، بل يقاس بأعمار الأمم والأجيال.

فالتغيير قادم، رأيناه أو رآه الجيل الذي بعدنا أو الذي بعده، وهذه الصحوة بإذن الله عز وجل لن تنتهي إلا إلى تمكين ونصر ما دامت تملك هذه الطاقات.

أعتقد أننا بحاجة إلى أن نسمع هذه اللغة بدلاً من تلك اللغة التي تقول: إنكم غير جادين، إنكم مقصرون في عبادتكم، مقصرون في طلب العلم، أنتم لا تستحقون نصراً، أنتم لا تستحقون أن تصفوا أنفسكم بأنكم ملتزمون، أعتقد بأننا بحاجة إلى توازن.