للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غياب منهج التفكير الموضوعي]

الأمر الخامس: غياب منهج التفكير: غياب التفكير الموضوعي، التفكير الذي يسعى إلى إعادة الظواهر إلى أسباب وعوامل موضوعية، فنحن يصعب علينا أن نفرق في موقفنا من الشيء بين حبنا له وبين تفسيرنا له، ودعوني أضرب على ذلك مثالاً سبق أن أشرت إليه في حديث سابق: في أحداث أمريكا التي حصلت قبل أحداث سبتمبر كان كثير من الناس يكره أن يكون وراء هذا الحدث المسلمون؛ لأنه يعلم ما سيترتب عليه، فيسعى في نظرته للحدث وفهم الحدث إلى أن يعلق الحدث بأشخاص آخرين، يتعلق بأي طرف في القضية، بأي دليل، بأي موقف يفسر فيه هذا الحدث تفسيراً يختلف عن رؤيته ويلغي هذه الرؤية، ولهذا تجد الإنسان في نظرته للأحداث أياً كانت يفرح دائماً إذا وجد أي دليل يؤيد الشيء الذي يحبه.

وفرق -أيها الإخوة- بين أن يحب الشيء وبين ما حدث، فرق بين موقفنا من الشيء وبين الواقع، إن من مصلحتنا أن نعرف الواقع كما هو، بغض النظر عن موقفنا منه، مثل الأب الذي يذهب إلى المدرسة، استدعته المدرسة لضعف تحصيل ابنه الدراسي، فجاء وقابل مجموعة من المعلمين، أحد المعلمين أثنى على ولده، تجده يتمسك بهذا الموقف ويفرح به؛ لأنه يؤيد الخلفية التي في ذهنه، نفتقد نحن منهج التفكير العلمي، نفتقد التفسير الموضوعي الذي يفصل بين الآراء الذاتية والموضوعية، يفصل بين ما نحب وبين موقفنا، وبين حقيقة الأشياء، من مصلحتنا أن نرى الأشياء كما هي، أن نراها على حقيقتها، بغض النظر عن موقفنا منها، أن نفصل بين عاطفتنا الشخصية وبين رؤيتنا لها.

ومن ذلك الغلو في الأخبار، الأخبار التي تتفق مع ما نحب نصدقها ولو كانت غير منطقية، والأخبار التي لا تتفق مع ما نحب نضع عليها علامة استفهام دائماً دون دليل علمي، فالصراع الذي دار في أفغانستان كلنا لا شك نتمنى أن يزيد فيه الضحايا من الصليبيين ونستبشر ونفرح بذلك، ولكنا نتضايق ونتألم حين يصاب إخواننا المسلمون، وأياً كانوا -حتى من يقع منهم في خطأ- فهم أحب إلينا وأقرب إلينا من أولئك الكفار المعتدين، لكن هذا شيء، وتصديقنا للأخبار شيء آخر، هذه العاطفة تؤثر علينا، كان بعض الناس يأتي بأخبار غير منطقية أصلاً، وإذا ناقشته في ذلك قال: أنت ضد الجهاد، أنت تشكك في قدرة الله! يا أخي! فرق بين القضيتين، هذا الخبر ليس فيه ما يدعونا إلى تصدقيه، فرق بين أن أحب ذلك وأتمنى ذلك، وبين أن يكون هذا الخبر صدقاً وحقيقة، نحن نعاني -أيها الإخوة- من غياب التفكير الموضوعي، التفكير العلمي، التفكير المنطقي، فنخلط بين عواطفنا وبين آرائنا، وتسهم عواطفنا ومواقفنا في صناعة آرائنا بدرجة كبيرة، ولهذا نجنح إلى الغلو، إذا كنا نملك منهج تفكير سليم، تفكير موضوعي؛ سننظر إلى الأمور نظرة شمولية، سننظر إليها من كافة جوانبها، سنعطي كل اعتبار قدره الطبيعي، سنصل إلى مواقف معتدلة، نقطع في مواقف القطع، ونضع احتمالاً في مواقف الاحتمال، وتزداد نسبة الاحتمال وتضعف حسب قوة وضعف الأدلة التي نستند إليها في موقفنا هذا.