للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة أن تكون النظرة التربوية نظرة شمولية]

ثانياً: لا بد من الشمول في النظرة التربوية، فالتربية حتى بمفهومنا الشرعي ليست مجرد أمر بالصلاة ونهي عن المنكر والفحشاء، وهذا أمر لا شك هو الأساس والأصل، لكنها أبعد من ذلك، إنها تبدأ أولاً بغرس الإيمان والتقوى في النفوس حتى تميل النفوس إلى حب الصلاة، وإلى حب الخير والطاعة، وإلى كره الفساد وأهله، ثم هي بعد ذلك تعلم ما يجب وما يحرم، وما يسوغ وما لا يسوغ، ثم هي بعد ذلك تربي على محاسن الأخلاق ومعالي الأمور، ثم هي تعتني بالجانب النفسي والاجتماعي والصحي، وترى أنها كلها منظومة واحدة يؤثر بعضها على بعض، ويتأثر بعضها ببعض، إن الحالة الدينية للشاب لا تنفك عن حالته النفسية، فالشاب الذي يعيش في أسرة لا تعطيه الإشباع النفسي والاجتماعي ولا تلبي حاجاته ربما يكون شاباً منحرفاً حتى إن نظرته للدين والمتدينين ستتأثر بهذا الحرمان النفسي والاجتماعي الذي عايشه، ولهذا نرى المربي الأول صلى الله عليه وسلم يرعى هذا الاعتبار، وأجتزئ هنا أمثلة يسيرة: ما هي قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم؟ الصلاة، قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، الوقت الذي يجد فيه النبي صلى الله عليه وسلم السعادة والطمأنينة هو في الصلاة؛ ولهذا كان إذا حزبه أمر صلى الله عليه وسلم فزع إلى الصلاة، كان يصلي صلى الله عليه وسلم -وليس يصلي وحده وإنما كان يؤم أصحابه- فأتى أحد أولاده الحسن أو الحسين فارتقى على ظهره صلى الله عليه وسلم فأطال السجود فاستبطأه أصحابه، ثم لما انصرف سألوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أقوم حتى يقضي حاجته)، النبي صلى الله عليه وسلم المعلم الواعظ البليغ المربي كان وهو يخطب في أصحابه وهم خيار الناس وخيار القوم يأتي الحسن ويتعثر، فيترك خطبته صلى الله عليه وسلم ثم ينزل من المنبر فيحمله ثم يعود إلى خطبته فيقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

إذاً: أولئك الذين عاشوا تربية تراعي هذا الجانب، وتلبي هذه الحاجات، وتنمي لديهم الثقة في النفس، وتنمي لديهم هذه القدرات والمهارات التي يحتاجون إليها، وتحقق عندهم الإشباع النفسي والعاطفي، خرجوا جيلاً قاد البشرية وأثر في البشرية.

إذاً: فلا بد أن تتسع الدائرة التي ننظر من خلالها إلى مسئوليتنا التربوية، وألا تقتصر على مجرد الأمر والنهي، أو مجرد أن نعلمه الأحكام الشرعية وننهاه عما لا يسوغ له أن يفعله وإن كان هذا واجباً ومتحتماً ومتعيناً.

يقول أحد التربويين الغربيين والحكمة ضالة المؤمن: لا تظنوا أنكم تربون الطفل عندما تتحدثون إليه فحسب أو ترشدونه أو توجهونه، بل إنكم تربونه في كل لحظة من حياتكم حتى وأنتم غير موجودين في البيت، ومما له أهمية: كيف تلبسون ثيابكم، وكيف تتحدثون مع الآخرين وعن الآخرين، وكيف تعاملون الأصدقاء والأعداء، وكيف تسرون وتضحكون.