للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاعتناء بالاستقرار الأسري]

خامساً: لا بد من الاعتناء بالاستقرار الأسري، وقد أشرنا قبل قليل إلى أثر الاستقرار الأسري على الانحراف وعلى الاستقامة، وأثره على سلوك الأطفال، وحينما نطالب بالاعتناء بالاستقرار الأسري فنحن نطالب بذلك على مستويين: المستوى الأول: على مستوى المجتمع، فالمجتمع ينبغي أن يسعى إلى تحقيق الاستقرار الأسري من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية، ومن خلال مراعاة ذلك في الأنظمة، فأنظمة العمل التي تحكم علاقات الناس لا ينبغي أن ينظر إليها نظرة مادية بحتة، بل ينبغي أن نتساءل ونحن نضع أنظمتنا، سواء النظام المقنن الذي يصبح قانوناً ونظاماً يلجأ الناس إليه، أو النظام العرفي الذي نتعارف عليه، ينبغي أن نضع في الاعتبار أثر هذه الأنظمة على الاستقرار الأسري، هناك بعض أنظمة العمل تعزل الأب عن أسرته، حيث تتعامل مع الأب على أنه آلة، إذا كان يصح في العالم الغربي أن يعمل الأب لساعات طويلة بعيداً عن أسرته فأظن أننا ينبغي أن نعيد النظر في هذا الأمر، وأرى أنه ينبغي أن نضع حداً أدنى لا نسمح لأحد بتجاوزه لما يقدمه من عمل ولو كان هذا يؤدي إلى مزيد من الإنتاج والثراء بالنسبة له أو بالنسبة للمجتمع، فإن العبرة ليست بالمادة ولا بالمقياس المادي، إن الخلل التربوي يكلف المجتمع مبالغ مالية باهظة حين ينحرف فرد من أفراد المجتمع، فالفرد حين يكون مدمناً يكلف المجتمع في علاجه الصحي، وفي علاجه النفسي والاجتماعي، بل المدمن حين يقع في جريمة يكلف المجتمع تكاليف مادية في سجنه وبعد سجنه، فلو حسبنا التكاليف المادية لرأينا أن التربية حتى بالمنظور المادي تختصر علينا خطوات كثيرة، وأننا لا ينبغي أن نتعامل مع الإنسان على أنه آلة.

إذاً: فالمجتمع ينبغي أن يسعى إلى تعميق الاستقرار الأسري من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية، ومن خلال الأنظمة التي يضعها المجتمع، سواء أكانت أنظمة مقننة أو أنظمة عرفية يتعارف عليها المجتمع، ثم من خلال المؤثرات الإعلامية السيئة.

ودعوني أضرب على ذلك مثالاً واحداً: المسرحيات التي تراها الأسر اليوم صباح مساء، ما هو أثرها على هدم استقرار الأسرة؟ المسرحية عبارة عن مجموعة ممثلين يقفون على خشبة المسرح، فيعيشون في صورة مثالية، المرأة تبدو أمام زوجها أولاً بمظهر لا تبدو عليه حتى وهي في بيتها في الواقع، والرجل كذلك، طريقة التعامل، الحوار، العلاقات إلى آخرها، ما أثر هذه المشاهد المتكررة على الأسرة؟ ثم المشاهد التي تتحدث عن الخلافات الزوجية والطلاق والمشكلات وكأنها وسيلة لتطبيع التفتت الأسري باعتباره ظاهرة طبيعية غير شاذة، ناهيك عن وسائل الإثارة التي تحدث أثراً غير مباشر، فالرجل الذي يرى صورة فاتنة في وسائل الإعلام ربما يقوده ذلك إلى مواقعة الفساد والبحث عن ما وراء ذلك، وكذلك المرأة، وهذا من أعظم ما يهدم ويؤثر على الأسرة.

كذلك المسرحيات والتمثيليات التي تصور أم الزوجة على أنها أكبر عدو للزوج، وعلى أنها أكبر مشكلة تواجهه، وكيف يستطيع الزوج أن يتخلص ويتهرب من حماته، بل ربما ارتكب الجريمة للتخلص منها، وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالمرأة، كل هذه تعطي رسالة وترسخ قيماً تؤثر على استقرار الأسرة، فمن مسئولية المجتمع أن يحد من هذه المؤثرات السيئة، وأن يقيم ما يراه من مؤثرات كمجلات المرأة والأسرة اليوم، والفقرات التي تقدمها وسائل الإعلام عبر القنوات الفضائية، وعبر شبكة الإنترنت من هنا وهناك، فكل هذه تهدم بنيان الأسرة وتزلزل استقرارها، والمجتمع مسئول عن الحد من هذه المؤثرات حتى يحمي الأسرة.

إذاً: هذا المستوى مستوى محافظة المجتمع على استقرار الأسرة.

المستوى الثاني متعلق بالأسرة نفسها، حيث ينبغي أن يشعر الآباء والأمهات أن الاستقرار الأسري لن تعود ثمرته عليهم هم وحدهم وإنما ستعود الثمرة بعد ذلك على الأبناء والبنات، بل وعلى المجتمع كله الذي سيجني ثمرة هؤلاء، ومن ثم لا بد من أن يسعى الزوجان إلى تقوية الاستقرار الأسري، والتضحية والتحمل في سبيل تحقيق مثل هذا الهدف.