للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دعوة الشرع إلى تجديد الإيمان وتعاهده]

خامساً: الدعوة في الشرع إلى تجديد الإيمان وتعاهده.

روى الحاكم والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب؛ فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم).

وروى ابن أبي شيبة في الإيمان، وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (القلوب أربعه: قلب أجرد كأنما فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن، وقلب أغلق فذلك قلب الكافر، وقلب مصفح فذلك قلب المنافق، وقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل شجرة يسقيها ماء خبيث وطيب، ومثل النفاق فيه كمثل قرحة يمدها قيح ودم، فأيهما غلب عليه غلبه)، هذا روي عن حذيفة رضي الله عنه موقوفاً عليه، وقد رواه بعضهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والموقوف أصح.

وروى ابن أبي شيبة في الإيمان عن علقمة أنه كان يقول لأصحابه: امشوا بنا نزدد إيماناً.

وروى -أيضاً- ابن أبي شيبة في الإيمان، والإمام أحمد وأبو عبيدة في الإيمان، والبخاري تعليقاً، وصحح ذلك الحافظ ابن حجر عن معاذ رضي الله عنه أنه قال: اجلسوا بنا نؤمن ساعة.

يعني: نذكر الله تعالى.

وروي عن الأسود بن هلال قال: كان معاذ يقول للرجل من إخوانه: اجلس بنا فلنؤمن ساعة، فيجلسان فيذكران الله ويحمدانه.

وعلى كل حال فالنصوص كثيرة في الدعوة إلى تجديد الإيمان وتعهده في النفوس، وقد صنف السلف في ذلك كتباً خاصة في الإيمان، والمقصود أن ما خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وأمرهم به من أن يجددوا الإيمان في قلوبهم ويزدادوا إيماناً، وما ورد عن سلف الأمة، يدعونا إلى أن نسعى إلى تعاهد الإيمان في نفوسنا، وإلى تربية الإيمان في نفوسنا، وإلى السعي إلى زيادته في أنفسنا، وأيضاً يدفع ويدعو من يتولى التربية إلى أن يجعل هذه القضية من أهم القضايا، ومن الأولويات الذي يتربى عليها الجيل ويتربى عليها الناس، ولعلنا نتساءل، ونحن قد سمعنا هذه النصوص عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان أحدهم يقول لصاحبه: اجلس بنا نؤمن ساعة، أو يقول: امشوا بنا نزدد إيماناً، فنتساءل: كم هي المجالس التي نجلسها مع إخواننا؟! أي: المجالس الخاصة، دع عنك الدروس والمواعظ وغيرها، إننا نجلس ساعات طوال في المجالس، أو ربما نسير في السيارة، أو نجلس هنا وهناك، فكم يستغرق حديثنا عن هذه القضايا من وقت؟! وهل حين نجلس مثل هذه المجالس يذكر بعضنا بعضاً بقضايا الإيمان والخوف من الله عز وجل، ونسعى إلى أن تكون هذه المجالس تزيدنا إيماناً؟! وبعبارة أخرى أن أحدنا كثيراً ما يلقى أخاه في الله، فهل هو يشعر أنه حين يلقاه ويتحدثان يزدادان إيماناً، ويشعر أن هذا اللقاء يزيده إيماناً وصلة بالله عز وجل؟! أو أنه يلقاه كما يلقى غيره، بل ربما كانت بعض المجالس مدعاة لقسوة القلب والبعد عن الله تبارك وتعالى.

وليس بالضرورة -أيها الإخوة- أن يكون الحديث في قضايا الإيمان والخوف من الله عز وجل، والمجالس التي تزيد الإيمان، ليس بالضرورة أن يكون موعظة مثل التي يلقيها الإنسان بعد الصلاة، أو في مجلس علم يحضره، أو في حديث رسمي كما يقال، ليس بالضرورة هذا ولا ذاك.

يا أخي! أنت تتحدث مع أخيك في المجلس أو في السيارة أو حتى في الهاتف أو هنا وهناك، فما الذي يمنع من وصيته أو تذكيره بالله عز وجل فيزداد بعضنا إيماناً بالله؟! إذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلسوا تواصوا ليزدادوا إيماناً، وهم من هم في الإيمان والصلاح والتقوى؛ فغيرهم من باب أولى.