للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إعانة الإيمان صاحبه على الثبات في مواجهة الشهوات]

الأمر السادس: أن الإيمان هو الزاد الذي يعين المرء على الثبات في مواجهة الشهوات، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ويذكر منهم صلى الله عليه وسلم رجلاً دعته امرأة إلى نفسها، فقال: إني أخاف الله عز وجل، فمنعه من مواقعة ما حرم الله تبارك وتعالى خوفه من الله عز وجل، وإيمانه بالله تبارك وتعالى، والله عز وجل يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:١٤].

وأخبر تبارك وتعالى أن الشهوات قد زينت للناس، وهذا الكلام في عصر النبوة، فما بالكم بهذا العصر الذي نعيشه، وقد فتحت فيه الأبواب على مصاريعها، وصارت الشهوات تلاحق الشاب، وتلاحق الفتاة، وتلاحق الصغير والكبير في السوق، والشارع، بل حتى في المنزل، وصار الناس يشتكون من جحيم هذه الشهوات وآثارها، وكيف أنها تصرف الكثير عن طاعة الله عز وجل، وربما كانت سبباً في الانحراف وسبباً في الضلال والغواية عافانا الله عز وجل وإياكم من ذلك؟! ولو تأملت حال الكثير ممن ضلوا وتنكبوا الطريق، لوجدت أن الكثير من هؤلاء إنما أتي من هذا الباب.

ويتساءل كثير من الناس ما العلاج وما الحل أمام هذا السيل الجارف من الشهوات الذي صار قضية لا يكاد الإنسان يستطيع أن يمنع أبناءه منها، ولا يستطيع الناس في المجتمع أن يمنعوا الناس من مقارفتها ولا من رؤيتها، وصارت مشاهدها تلاحق الناس في كل مكان، مما يشاهده الناس على الشاشة أو في المجلات أو في الصحف، حتى إذا عوفي الإنسان من هذا كله وعافاه الله عز وجل، فإنه قد لا يعدم أن يحدثه زميله مثلاً في الفصل عن شيء من ذلك أو يدله عليه.

المهم أن هذه الشهوات أصبحت مشكلة الجميع، وأصبحت مشكلة الشاب نفسه الذي يخاف على نفسه، والذي يحمل بقلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان، فلا شك أنه يخشى على نفسه من هذه الشهوات وآثارها، وأصبحت مشكلة الأب الذي يخاف على أبنائه، ومشكلة الأم التي تخاف على أولادها، ومشكلة الأستاذ والمربي الذي يخاف على هذا النشء الذي تعاهده بالتربية والإصلاح، يخاف أن تجترفه هذه السيول، فتفسد في لحظات ما بناه هو في دهور وسنوات.

لقد صارت مشكله فعلاً يعاني منها المسلمون ويتساءلون: ما الحل؟ الحل -يا إخوة- هو في الإيمان، في تربية الإيمان في النفوس، الإيمان الذي يجعل الشاب ويجعل الفتاة ويجعل الإنسان يعرض أصلاً عن أبواب هذه الشهوات وطرقها، الذي يجعله بغض بصره ابتداءً، الذي يجعل في ذهنه قضية تشغله أكبر من قضية الشهوة، فبدلاً من أن يفكر في الشهوة وبدلاً من أن تسيطر عليه، صار يسيطر عليه هم أكبر من هذا كله، صار مشغولاً بالله والدار الآخرة، صار مشغولاً بزيادة الإيمان وتقوى الله عز وجل، صار مشغولاً بعيوب نفسه ومعاصيها وكيف يصلح نفسه، صار همه الشوق إلى لقاء الله عز وجل، والأنس بذكر الله تبارك وتعالى، وتلاوته الكتاب وعبادته ربه تبارك وتعالى، فصار لسان حاله يقول للناس، وهو يراهم صرعى الشهوات: يا قوم! أنتم في واد وأنا في واد، لكم هم ولي هم آخر.

فحين يقوى الإيمان في النفس يصبح هذا حال الشهوة، وهذا لسان حاله، فيكون هذا بإذن الله عاصماً له وحامياً له، حتى لو أتته الشهوات تسعى إليه فإنه يعرض عنها، ويصبح -كما قال صلى الله عليه وسلم- يقول: (إني أخاف الله عز وجل)، وكما قال يوسف عليه السلام: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:٢٣].

ولاشك -يا إخوة- في أن الوقت والمرحلة التي نعيشها الآن التي فتن الناس فيها بالشهوات مدعاة إلى أن نراجع برامجنا التربوية، أن يراجع المربون ما يربون عليه الناس، وما تتربى عليه الأمة، فالآن الملايين من المسلمين يرون أبواب الشهوات مفتوحة أمامهم، ويرون أبواب الفتن والضلال بكل ألوانها مشرعة أمامهم، فماذا يتلقون؟! ماذا يتلقى الطلاب في مدارسهم؟! وماذا تتلقى الطالبات في مدارسهن؟! هل يتلقون ويتعلمون ما يربي الإيمان في النفوس، وما يقوي الإيمان ويصل الإيمان بالله عز وجل؟! ماذا يسمع هؤلاء في وسائل الإعلام؟! وماذا يقرءون في الصحف التي يقرءونها صباحاً ومساء؟! ووسائل التوجيه التي تخاطب الناس والتي تحدث الملايين، ما مدى عنايتها بتربية الإيمان في النفوس، وغرس الإيمان في النفوس؟! إذا كانت الأمة جادة في التربية، وإذا كانت الأمة جادة في الإصلاح، وإذا كانت قضية الدين والعقيدة الإسلامية قضية تعني الأمة بجد، فيجب أن توجه وسائل التربية والتوجيه في الأمة إلى غرس الإيمان في القلوب، فتتعاهد الأمة بتربية الإيمان، وتوجه وسائل التربية والتوجيه كلها في المجتمع لتحقيق هذه القضية، وماذا تريد الأمة من إنسان متعلم ومثقف لكن قلبه خال من الإيمان بالله عز وجل وتقواه؟! وماذا تريد